للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلما سحر السحرة منهم الحبال والعصي بأمر فرعون، وصارت ترى حيات تسعى ألقى سيدنا موسى عليه السلام عصاه بأمر الله تعالى فقلبها الله ثعبانا عظيما فابتلعت تلك الحيات الكثيرة، ثم لما أخذها بيده عادت عصا كما كانت فخر السحرة لله ساجدين، وآمنوا برسالة موسى، وصبروا على تعذيب فرعون لهم، وما ذلك إلا لأنهم بسبب معرفتهم فن السحر وعلمهم بمقدار ما يدخل منه في طوق البشر وما لا يدخل أيقنوا أن تلك الخارقة، وهي انقلاب العصى ثعبانا ابتلع حبالهم وعصيهم المسحورة على صورة الحيات، ثم عودتها كما كانت مع تلاشي حبال السحرة وعصيهم دليل على أن ما حصل على يد موسى ليس سحرا، وإنما هو آية ومعجزة من عند الله تعالى.

ولما بعث الله تعالى سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام كان فن الطب شائعا في بني إسرائيل، فكان من حكمته تعالى أن جعل كثيرا من معجزاته عليه السلام من قبيل أعمال أهل الطب، فأبرأ الله على يديه الأبرص والأكمه (الذي ولد أعمى) وأحيا الموتى، فأهل المعرفة في علم الطب لا يحتاجون في تصديق رسالته إلى أمر صعب، بل من الواضح لديهم أن يقولوا: إننا نعلم في الطب ومقدار ما يمكن الإنسان أن يبلغه فيه من الأعمال وما لا يمكنه- فيدخل في طاقة الأطباء الحذاق أن يشفوا الأبرص، ولكن ذلك يحدث بمعالجة مخصوصة مع مرور زمان مخصوص، وأما شفاؤه في الحال بمجرد لمسه أو الدعاء له فهذا ليس في طوقهم. ويمكنهم أن يشفوا مرضى العمى الذي يكون عرضيا ليس مخلا بجوهر البصر، وأما شفاء الأكمه عديم البصر فهذا ليس في طوقهم، وكذلك إحياء الموتى.

وحيث أن عيسى قد أتى بهذه الخوارق التي لا يستطيعها حذاق الأطباء فإن ذلك دليل على صدق دعواه الرسالة.

ولما بعث سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) - وكان أميا لا يعرف القراءة والكتابة- ولم يجتمع مع أهل القراءة والكتابة اجتماعا يمكنه من التعلم منهم ويؤهله لاكتساب جملة معارف الأمم وشرائع الأقدمين، وقوانين الممالك،

<<  <   >  >>