للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونرى أن حكم علي في هذه الحادثة -لو ثبت الحديث- يمكن أن يكون حكم قاض؛ لأن عليا كان أرسله الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى اليمن قاضيا، كما هو معروف، وكونه هو الذي أتاهم عقب الحادثة لا يغير الأمر من قاض إلى محكم؛ لأن البيئة كانت بيئة ساذجة لا تعقيد فيها، والبساطة من علي تجيز له -وهو القاضي- أن يذهب إلى الخصوم، وخاصة إذا كان الأمر خطيرا جدا، فقد كادت القبائل أن يسيل بعضها دم بعض.

وكونه خيرهم أن يرضوا بما يحكم به أو ينتظروا -بعد حكمه- حى يعرضوا الأمر على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا لم يرضوا بما حكم، فهذا أيضًا مقبول من قاض في مجتمع بسيط لم يوجد فيه تعقيد الإجراءات. فليست المشكلة في هذه الأمور، وإنما المشكلة أن الحديث لم يثبت، ولو ثبت الحديث لكان من وجهة نظرنا دالا على الاستئناف.

وأما قول الصحابي ففي مصنف عبد الرزاق١ "أتى ابن مسعود برجل وجد مع امرأة في لحاف، ولم تقم البينة على غير ذلك فضربه عبد الله أربعين٢، وأقامه للناس، فغضب قومه من هذا وانطلقوا إلى عمر -رضي الله عنه، فقالوا: فضح منا رجلا، فقال عمر: بلغني أنك ضربت رجلا من قريش، قال عبد الله: أجل وقص عليه القصة، فقال له عمر: أرأيت ذلك؟ قال: نعم، قال عمر: نعم ما رأيت، فعند ذلك قال الشاكون، جئنا نستعديه عليه، فاستفتاه".


١ كان عمر بن الخطاب قد ولى عبد الله بن مسعود القضاء في الكوفة.
٢ نظام القضاء في الإسلام، لأستاذنا الدكتور إبراهيم عبد الحميد، ص٢٩٨، وأصول الفقه الإسلامي للأستاذ زكي الدين شعبان، ص٢٠٥.

<<  <   >  >>