للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واختلف فقهاء الشافعية فيما لو حكم القاضي بإزالة يد شخص عن عين من الأعيان التي تحت يده، بناء على بينة أقامها شخص آخر فحكم له القاضي بهذه البينة، مستندا إلى ما قبل إزالة يده مع استدامته إلى وقت الدعوى، واعتذر عن ذلك بغيبة شهوده -مثلا- فيرى النووي أن على القاضي أن يسمع بينته وتقدم على بينة من حكم له القاضي بها؛ لأن صاحب اليد قد أزيلت يده لعدم الحجة، فإذا ظهرت الحجة حكم بها، بخلاف ما إذا لم تستند بينته إلى ذلك، أو لم يعتذر بما ذكر ونحوه فلا تقدم بينته.

ويرى القاضي حسين من فقهاء الشافعية أنه لا تسمع البينة، فلا ينقض القضاء، ونقل الهروي عن القاضي حسين أنه قال: أشكلت علي هذه المسألة نيفا وعشرين سنة لما فيها من نقض الاجتهاد بالاجتهاد وتردد فيها جوابي، ثم استقر على أنه لا ينقض١.

ومع احترامنا الكامل لكلا الرأيين في الفقه الشافعي، مع ميلنا إلى ما يراه الإمام النووي من ترجيحه جانب اليد الذي لم يكن معه بينة وقت نظر الدعوى، ثم تيسر له بعد ذلك أن يثبت حقه بالبينة، نقول مع احترامنا لكلا الرأيين فإننا نستفيد من هذا الخلاف أن مبدأ الاستئناف يقول بعض الفقهاء به من الشافعية؛ لأن الاستئناف ما هو إلا نظر للدعوى مرة ثانية، وهذا ما حدث هنا في المسألة التي حكينا خلاف فقهاء الشافعية فيها.

وخلاصة ما تقدم أن استئناف الأحكام قال به فقهاؤها القدامى، بل عبر بعضهم بكلمة الاستئناف، قال ابن القاص: "اتفق الجميع على أنه ليس للقاضي أن


١ مغني المحتاج، ج٤، ص٤٨١.

<<  <   >  >>