للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أيضا إن كان قد أخطأ في مثل ذلك١.

الأمر الثاني: أن العلماء صرحوا بأن حكم القاضي في المسائل المجتهد فيها لا ينقض، أي: إذا حكم قاض في مسألة من المسائل الخلافية التي اجتهد العلماء فيها، وكان لكل فريق رأي فيها، فلا يصح لقاض آخر أن ينقض هذا الحكم.

قال ابن قدامة -الفقيه الحنبلي المشهور- بعد أن بين آراء العلماء وأدلتهم في مسألة تولي المرأة عقد الزواج، ورجح الرأي القائل بأن الزواج لا يصح إلا بولي، ولا تملك المرأة تزويج نفسها ولا غيرها، ولا توكيل غير وليها في تزويجها، فإن فعلت لم يصح عقد الزواج، قال ابن قدامة بعد أن بين ذلك: "فإن حكم بصحة هذا العقد حاكم، أو كان المتولي لعقده حاكما لم يجز نقضه"٢.

وذكر العلماء أمثلة للمسائل الخلافية التي لا يصح للقاضي أن ينقض الحكم فيها, إذا كان مخالفا لما يراه منها الحكم ببطلان خيار المجلس ومنع القصاص من القتل العمد بالمثقل، وصحة الزواج بعبارة المرأة، أو بشهادة ممن لم يتوفر فيه شرط العدالة، وأنه لا قصاص بين الرجل والمرأة في الأطراف، ورد الزوائد مع الأصل في الرد بالعيب فالقاعدة المستقرة عند العلماء أن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد، وقالوا إن الدليل على هذه القاعدة إجماع الصحابة -رضي الله عنهم، ورووا أن أبا بكر حكم في مسائل خالفه فيها عمر ولم ينقض حكمه، وحكم عمر في الجد في الميراث أحكاما مختلفة.

وعلل العلماء هذه القاعدة بأن الاجتهاد الثاني ليس أولى من الاجتهاد


١ أدب القاضي، لأبي العباس أحمد بن أبي أحمد الطبري، المعروف بابن القاص، تحقيق الدكتور حسين خلف الجبوري، ج٢، ص٣٧٢، الطبعة الأولى، ١٩٨٩.
٢ المغني، لابن قدامة، ج٧، ص٣٣٩.

<<  <   >  >>