للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ إِلَّا ذَاتٌ مُجَرَّدَةٌ، وَالذَّاتُ لَا تُوصَفُ بِضَرُورَةٍ وَلَا اسْتِدْلَالٍ، وَعِلْمُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَحْيٌ يَتَلَقَّاهُ مِنَ الْبَارِئِ جَلَّ جَلَالُهُ، أَوْ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، أَوْ غَيْرِهِ، وَعِلْمُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحْيٌ يَتَلَقَّاهُ عَنْ جِبْرِيلَ، فَلَا يَحْتَاجَانِ فِيهِ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ، لِأَنَّ الْقَطْعَ لَهُمَا بِكَوْنِهِ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَبِمُرَادِهِ مِنْهُ حَاصِلٌ، وَمَعَ الْقَطْعِ، تَبْطُلُ فَائِدَةُ الِاسْتِدْلَالِ.

فَعَلَى هَذَا لَوْ لَمْ يَقُلْ: بِالِاسْتِدْلَالِ، لَدَخَلَتْ هَذِهِ الْعُلُومُ فِي حَدِّ الْفِقْهِ، لِأَنَّهَا عِلْمٌ بِأَحْكَامٍ شَرْعِيَّةٍ عَنْ أَدِلَّةٍ تَفْصِيلِيَّةٍ، لَكِنَّهَا لَا تُسَمَّى فِقْهًا شَرْعًا وَلَا عُرْفًا، فَاحْتِيجَ إِلَى إِخْرَاجِهَا بِقَيْدِ الِاسْتِدْلَالِ، لِأَنَّ تِلْكَ الْعُلُومَ لَيْسَتْ بِالِاسْتِدْلَالِ.

وَيَعْنِي بِكَوْنِهَا عَنْ أَدِلَّةٍ تَفْصِيلِيَّةٍ: أَنَّهَا مُسْتَنِدَةٌ إِلَى الْأَدِلَّةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.

وَقَالَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ: «بَلْ هُوَ اسْتِدْلَالِيٌّ» يَعْنِي عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولَيْهِ، «لِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ الشَّيْءَ عَلَى حَقِيقَتِهِ» أَيْ عَلَى مَا هُوَ بِهِ «وَحَقَائِقُ الْأَحْكَامِ تَابِعَةٌ لِأَدِلَّتِهَا وَعِلَلِهَا» فَكَمَا يَعْلَمُونَ حَقِيقَةَ الْحُكْمِ، يَعْلَمُونَ كَوْنَهُ تَابِعًا لِدَلِيلِهِ وَعِلَّتِهِ وَأَنَّهَا كَذَا، فَكَمَا يَعْلَمُونَ مَثَلًا وُجُوبَ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْوَاطِئِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، يَعْلَمُونَ أَنَّ عِلَّةَ الْوُجُوبِ عُمُومُ إِفْسَادِ الصَّوْمِ أَوْ خُصُوصُهُ بِالْوَطْءِ، وَكَمَا يَعْلَمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ تَحْرِيمَ الرِّبَا فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ، يَعْلَمُ أَنَّ عِلَّةَ التَّحْرِيمِ الْكَيْلُ أَوِ الْوَزْنُ أَوِ الطَّعْمُ أَوِ الِاقْتِيَاتُ مَعَ الْجِنْسِ، وَكَمَا عَلِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُجُوبَ الشُّفْعَةِ لِلشَّرِيكِ الْمُخَالِطِ، عَلِمَ أَنَّ عِلَّةَ الْوُجُوبِ خُصُوصُ الضَّرَرِ بِشَرِيكِهِ حَتَّى يَقْتَصِرَ عَلَى الْمُقَاسِمِ، أَوْ عُمُومُهُ حَتَّى يَتَعَدَّى إِلَى الْمُلَاصِقِ، وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ.

قُلْتُ: وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولَيْهِ اسْتِدْلَالِيٌّ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِدْلَالِيِّ، مَا لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِاسْتِدْلَالٍ، وَهُوَ النَّظَرُ فِي مُقَدِّمَاتِ الدَّلِيلِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>