للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كَقَوْلِنَا: هَذَا مُفْسِدٌ لِلصَّوْمِ، فَنَاسَبَ عُقُوبَتَهُ بِالْكَفَّارَةِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْأَشْكَالِ الِاسْتِدْلَالِيَّةِ، وَالْعُلُومُ الْمَذْكُورَةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ.

وَأَمَّا عِلْمُهُمْ بِالْحُكْمِ وَعِلَّتِهِ وَدَلِيلِهِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ عُلُومَهُمُ اسْتِدْلَالِيَّةٌ، لِجَوَازِ أَنْ يَحْصُلَ الْعِلْمُ بِالْحُكْمِ بِدُونِ النَّظَرِ فِي دَلِيلِهِ وَعِلَّتِهِ، كَالْإِلْهَامِيَّاتِ وَالْبَدِيهِيَّاتِ، فَإِنَّ الْعِلْمَ يَحْصُلُ بِهَا هُجُومًا عَلَى النَّفْسِ، بِدُونِ نَظَرٍ وَلَا اسْتِدْلَالٍ، وَفِيهَا مَا لَوْ أَرَادَ الْعَاقِلُ أَنْ يَسْتَخْرِجَ عِلَّتَهُ لَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ.

وَالتَّحْقِيقُ فِي هَذَا الْمَقَامِ، التَّوَسُّطُ، وَهُوَ أَنَّ عِلْمَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِالْأَحْكَامِ، لَيْسَ اسْتِدْلَالِيًّا لِمَا تَقَدَّمَ، وَعِلْمَ مَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَغَيْرِهِمُ اسْتِدْلَالِيٌّ، غَيْرَ أَنَّ الِاسْتِدْلَالِيَّ فِي عِلْمِ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّسُلِ، أَظْهَرُ مِنْهُ فِي غَيْرِهِمْ، لِقِلَّةِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ مِنَ الْمُقَدِّمَاتِ.

بَيَانُ ذَلِكَ، أَنَّ أَقَلَّ مَا يَحْصُلُ مِنْهُ الْعِلْمُ الِاسْتِدْلَالِيُّ، مُقَدِّمَتَانِ، فَإِذَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: قَدْ أَوْجَبْتُ الصَّلَاةَ عَلَى بَنِي آدَمَ، فَانْزِلْ بِذَلِكَ إِلَيْهِمْ، فَعِلْمُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ مَسْبُوقٌ بِمُقَدِّمَتَيْنِ:

إِحْدَاهُمَا: أَنَّ الْآمِرَ لَهُ بِذَلِكَ هُوَ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ.

وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ كُلَّ مَا أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ، فَهُوَ وَاجِبٌ، أَوْ أَنَّ الْمُوجِبَ لِلصَّلَاةِ، هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَكُلُّ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَهُوَ مَعْلُومُ الْوُجُوبِ، فَإِذَا نَزَلَ جِبْرِيلُ بِذَلِكَ إِلَى الرَّسُولِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا، وَأَخْبَرَهُ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>