وخلوت معه في المنزل اغتناما لمشاهدته، واقتباسا من أدبه، وأعجبني ما رأيت، قلت: والله انك لشاب خطير تصلح لمنادمة ملك كبير، فقال لى: ويحك أتدري ما تقول: أنا بني مرسل، فظننت أنه يهزل، ثم فكرت أني لم أحصّل عليه كلمة هزل منذ عرفته، فقلت له: ما تقول؟ فقال: أنا نبي مرسل، قلت له: مرسل الى من؟ قال: الى هذه الأمة الضالة المضلة، قلت: تفعل ماذا؟ قال أملأها عدلا كما ملئت جورا، قلت بماذا؟ قال: بإدرار الأرزاق والثواب العاجل والآجل لمن أطاع وأتى، وضرب الأعناق وقطع الأرزاق لمن عصى وأبى، فقلت له: إن هذا أمر عظيم أخاف منه عليك أن يظهر، وعذلته على قوله ذلك، فقال بديها:
أبا عبد الله معاذ أنى خفى … عنك في الهيجاء مقامي
الأبيات، فقلت له: لم ذكرت أنك نبي مرسل إلى هذه الأمة، أفيوحى إليك؟ قال: نعم، قلت: قاتل علي شيئا من الوحي إليك، فأتاني (٣١ - و) بكلام ما مر بسمعي أحسن منه، فقلت: وكم أوحي إليك من هذا؟ فقال: مائة عبرة وأربع عشرة عبرة، قلت: وكم العبرة؟ فأتى بمقدار أكبر الآي من كتاب الله، قلت:
ففي كم مدة أوحي إليك، قال: جملة واحدة، قلت، فأسمع في هذه العبر أن لك طاعة في السماء فما هي؟ قال: أحبس المدرار لقطع أرزاق العصاة والفجار، قلت أتحبس من السماء مطرها؟ قال: أي والذي فطرها، أفما هي معجزة؟ قلت: بلى والله، قال: فإن حبست عن مكان تنظر إليه ولا تشك فيه هل تؤمن بي وتصدقني على ما أتيت به من ربي؟ قلت: أي والله، قال: سأفعل فلا تسألني عن شيء بعدها حتى آتيك بهذه المعجزة ولا تظهر شيئا من هذا الأمر حتى يظهر، وانتظر ما وعدته من غير أن تسأله، فقال لي بعد أيام: أتحب أن تنظر الى المعجزة التي جرى ذكرها؟ قلت: بلى والله، فقال لي: إذا أرسلت إليك أحد العبيد فاركب معه ولا تأخر ولا يخرج معك أحد، قلت: نعم.