للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما كان بعد أيام تغيمت السماء في يوم من أيام الشتاء، وإذا عبده قد أقبل، فقال: يقول لك مولاي: اركب للوعد، فبادرت بالركوب معه، وقلت أين ركب مولاك؟ فقال: الى الصحراء ولم يخرج معه أحد غيري، واشتد وقع المطر، فقال:

بادر بنا حتى نستكن معه من هذا المطر، فإنه ينتظرنا بأعلى تل لا يصيبه فيه المطر، قلت: وكيف عمل؟ قال: أقبل ينظر الى السماء (٣١ - ظ‍) أول ما بدا السحاب الأسود وهو يتكلم بما لا أفهم، ثم أخذ السوط‍ فأدار به في موضع ستنظر اليه من التل وهو يهمهم والمطر مما يليه ولا قطرة منه عليه، فبادرت معه حتى نظرت إليه، واذا هو على تل على نصف فرسخ من البلد فأتيته وإذا هو عليه قائم ما عليه من ذلك المطر قطرة واحدة، وقد خضت في الماء الى ركبتي الفرس والمطر في أشد ما يكون، ونظرت الى نحو مائتي ذراع في مثلها من ذلك التل يابس ما فيه ندى ولا قطرة مطر، فسلمت عليه، فرد علي وقال لي: ما ترى؟ فقلت: ابسط‍ يدك فإني أشهد أنك رسول الله، فبسط‍ يده فبايعته بيعة الاقرار بنبوته، ثم قال لي: ما قال هذا الخبيت لما دعا بك-يعني عبده-؟ فشرحت له ما قال لي في الطريق لما استخبرته، فقتل العبد وقال:

أي محل أرتقي … أي عظيم أتقي

وكلّما قد خلق الل‍ … هـ وما لم يخلق

محتقر في همّتي … كشعرة في مفرقي (١)

وأخذت بيعته لأهلي، ثم صح بعد ذلك أن البيعة عمّت كل مدينة بالشام وذلك بأصغر حيلة تعلمها من بعض العرب، وهي صدحة المطر، يصرفه بها عن أي مكان أحب بعد أن يحوي عليه بعضا وينفث بالصدحة التي لهم، وقد رأيت كثيرا منهم بالسكون وحضرموت والسكاسك من اليمن يفعلون هذا ولا يتعاظمونه


(١) -ديوانه:١٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>