العرب بها، فكان يسير من حلة إلى حلة بالبادية في ليلة وبينهما مسيرة ثلاث. فيأتي ماء ويغسل يديه ووجهه ورجله، ثم يأتي أهل تلك الحلّة فيخبرها عن الحلة التي فارقها، ويريهم أن الأرض طويت له، فلما علت سنّه رغب عن ذلك وزهد فيه.
وأقبل على الشعر وقد وسم بتلك السّمة.
أنبأنا أبو محمد عبد العزيز بن محمود بن الأخضر قال: أخبرنا الرئيس أبو الحسن علي بن علي بن نصر بن سعيد قال: أخبرنا أبو البركات محمد بن عبد الله ابن يحيى قال: أخبرنا علي بن أيوب بن الحسين قال: أنشدنا أبو الطيب المتنبي لنفسه. وكان قوم في صباه وشوا به إلى السلطان، وتكذبوا عليه، وقالوا له:
قد انقاد له خلق من العرب وقد عزم على أخذ بلدك حتى أوحشوه منه، فاعتقله وضيق عليه، فكتب إليه يمدحه:
أيا خدّد الله ورد الخدود … وفدّ قدود الحسان القدود
فهنّ أسلن دما مقلتي … وعذّبن علبي بطول الصّدود
قال فيها في ذكر الممدوح:
رمى حلبا بنواصي الخيول … وسمر يرقن دما في الصّعيد
وبيض مسافرة ما يقم … ن لا في الرقاب ولا في الغمود
يقدن الفناء غداة اللقاء … إلى كل جيش كثير العديد
(٣٣ - و)
فولّى بأشياعه الخرشنيّ … كشاء أحس بزأر الأسود
يرون من الذعر صوت الرياح … صهيل الجياد وخفق البنود
فمن كالأمير ابن بنت الأمي … ر أم من كآبائه والجدود
سعوا للمعالي وهم صبية … وسادوا وجادوا وهم في المهود