فالحق يتساءل ليأتي الجواب على ألسنتنا، والسؤال هو: هل قدرنا أن نجازيهم على ما فعلوه فيكم؟ فاسخروا أنتم منهم، واضحكوا عليهم كما سخروا منكم في الدنيا.
وفي الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها يقول الحق:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الكتاب} وهم اليهود: {يَشْتَرُونَ الضلالة} ، وساعة تسمع كلمة «يشتري» أعرف أن هناك معاوضة ومبادلة، سلعة وثمنا، فيشترون الضلالة بماذا؟ ماذا سيدفعون؟ الحق يقول في آية أخرى:{اشتروا الضلالة بالهدى}[البقرة: ١٦] .
أي أنهم دفعوا الهدى ثمناً وأخذوا الضلالة سلعة، وعادة ما ندفعه يضيع من يدنا، وما نشتريه نأخذه لنا. فحين تشتري سلعة بجنيه. فالجنيه يضيع، بعد أن كان معك أولاً، فحين يقول:{اشتروا الضلالة بالهدى} فهل كان معهم هدى وقدموه وأخذوا الضلالة؟ {نعم، كان معهم هدى الفطرة. فكل واحد عنده هدى الفطرة.
إياك أن تظن أن العقل الواعي ينتظر رسولاً ليدله على الله، إنما هو ينتظر رسولا ليبلغه مرادات الله منه، ذلك أن الإيمان بالله أمر من أمور الفطرة، فالإنسان عندما يتفتح وعيه يجد أشياء في الكون تخدمه، خدمة مستقيمة رتيبة، ولا تتخلف عن خدمته أبداً، هناك شمس تطلع كل يوم، وهواء يمر، أرض عندما تزرعها تعطيك خيراً كثيرا. ألك قدرة على شيء من هذا؟ هل ادعي إنسان مثلك أن له قدرة عليه؟ كل هذه الكائنات أنت تطرأ عليها، ولم تأت بها.
وعندما يولد الإنسان ويرى كل هذه النعم موجودة. ألا يؤمن بأنها من عطاء خالق؟ الإنسان فوجيء عندما ولد بوجود النعم. وأيضاً آدم عندما خلق فوجيء بالنعم موجودة، إذن فهو طرأ عليها، بالله ما دام هو قد طرأ عليها ألا يفكر من الذي أقام هذه النعم له؟ كان لا بد أن يفكر من الذي صنع له كل هذه النعم، وضربنا من