وكذلك العقل لما دلنا على أن نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم- صحيحة وأنه صادق فيما أخبر به عن ربه، كان ذلك صحيحا منه لوضوح دلائل النبوة لكل ذي عقل، ومعرفة العقل بأن محمدًا نبي بدلائله الواضحة لا يعني أبدا أن العقل متخصص في علم النبوة، وأنه يعلم ما علمه النبي، لا ... بل هنا يقال للعقل:"ليس هذا بعشك فادرجي" فنحن في حياتنا العادية نعلم أن غيرنا أعلم منا بصناعات كيماوية أو معدنية مختلفة، فإذا سألنا سائل عن صانع حاذق بالمعادن وأنواعها، فدللناه عليه، فهل يعني هذا أننا أكثر علما بهذه الصنعة من الصانع نفسه؟ وهل إذا اختلف معنا السائل في سر من أسرار هذه الصناعة نقول له: إن قولنا مقدم على قول الصانع الماهر فيها؟
إن في ذلك من التمويه والمغالطة ما لا يخفى على العقلاء، وهذا هو شأن من يقدم بين يدي الله ورسوله في مسائل الغيب.
٩- ومن المعلوم أن أفضلية الرسول ومباينته لذوي العقول ليس لها نظير فتقاس به في باب النبوة، فإن من الناس من يمكنه أن يصير عالما بالطب والصناعات المختلفة، ولكن لا يمكن لأحد أن يصير نبيا بعقله, ولا يمكن لمن لم يجعله الله نبيا رسولا أن يصير بمنزلة النبي الرسول؛ فإن النبوة لا تنال بالاجتهاد. فإذا علم المؤمن ذلك وعلم بالعقل أن محمدًا رسول الله وأنه أخبر بشيء ووجد في عقله ما ينازعه في خبره ويعارضه في قبوله