وعقيدة ليس إلا خرافة ومظهرا من مظاهر الجهل، وبدأت من هذا التاريخ قصة الصراع الطويل بين الكنيسة والعلم، وبدأت ثقة العلماء في الكنيسة ورجالها تختفي رويدا رويدا، وأصبح رجل الدين في نظر العلماء رمزا للجهل، وأصبحت آراؤه الدينية مظهرا من مظاهر الخرافة والتخلف، واختفت من هذه المعركة كلمة الكنيسة ليحل محلها لفظ الدين والوحي، كما اختفى لفظ رجل الكنيسة ليحل محله رجل الدين, وأخذت هذه الازدواجية الدين والعلم تأخذ العلاقة بينهما شكل التناقض، فهما لا يلتقيان أبدا, إما العلم وإما الدين، الدين عندهم رمز التخلف والجهل والخرافة, والعلم رمز التنوير والتقدم وعنوان النهضة المنشودة.
وأخذت هذه العلاقة التناقضية في الظهور والشيوع إلى أن عمت أنحاء أوروبا كلها، وترتب على ذلك أن أفرزت هذه المعركة مجموعة من المصطلحات التي حملت في طياتها معنى الرفض لكل ما هو ديني، مثل: الحداثة, التنوير، العلمانية، وأخذت الفجوة تتسع شيئا فشيئا إلى أن سيطرت النزعة العلمية على الحياة في أوروبا وبدأت الكنيسة يتراجع سلطانها ويتحدد نشاطها داخل جدرانها فقط، وأخذت النزعة العلمانية تمد سلطانها لتحل محل الكنيسة في إدارة شئون المجتمع ونظام الحكم، وتبدلت النظرة إلى الكون وعلاقة الإنسان به، كما أخذت قضية اللاهوت وما يتبعه من قضايا إيمانية تتلاشى ويتلاشى أثرها من مظاهر الحياة.