للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والشر، وعلى ذلك يقولون: إن الدين ظاهرة اجتماعية خلقها العقل الإنساني وأتم خلقها في حالة عجز الإنسان عن مواجهة القوى الخارجية, لقد اخترع الإنسان قوة ما وراء الطبيعة طلبا لحمايتها. وجاء بالسحر ثم بالعمليات الروحية، ثم بالعقيدة الإلهية حتى اخترع فكرة الإله الواحد ... وهذه العقائد قد فات أوانها وفقدت ضرورتها؛ لأنها ظهرت في فترة تاريخية معينة استجابة لعجز الإنسان وعنوانا لجهله, أما بعد سيادة العلم والعقلانية فلم يعد الإنسان بحاجة إلى هذا الاعتقاد.

إن هذه المواقف الثلاثة قد نشأت كنتيجة طبيعية لرفض العلماء للكنيسة واللاهوت المسيحي إبان المعركة التي نشبت بين الكنيسة والعلماء، ولم يشهد تاريخ الفكر الديني ثورة أشد ولا أقسى من ثورة العلماء على الدين خلال هذه المعركة. لقد كان موقف الرافضين للوحي قبل هذه المعركة قاصرا على الدهريين والطبيعيين، فالدهريون أسندوا الفعل إلى الدهر قالوا: إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر، وكان رد القرآن عليهم مكتفيا بقوله تعالى: {وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [الجاثية: ٢٤] .

وكان الموقف الطبيعي يشبه إلى حد كبير الموقف الدهري، لكن لم نقرأ في تاريخ الفكر الديني هذا الهجوم الشرس على الوحي إلا بعد هذا الصراع الذي شهدته أوروبا بين الكنيسة والعلم.

<<  <   >  >>