مكان فيه إلا لمن ملك مفاتيح العلم بأسرار هذا الكون، ولا يحسب هذا الموقف على الإسلام في مصادره بل يحسب على المسلمين الذين أخلدوا إلى الأرض واتبعوا أهواءهم، كما تحسب على ولاة أمور المسلمين الذين آثروا أن يكونوا قادة لقطيع من الجهلاء بدلا من أن يحملوا راية العلم أمام موكب العلماء.
إن القضية هنا ليست علاقة بين الوحي والعلم وإنما هي علاقة أصحاب الوحي وأتباعه بالعلم ومعرفة قوانينه، سواء على مستوى العلم الكوني أم على مستوى العلم الاجتماعي، وكما سبق أن قلنا: إن هذه سنة الله في كونه من أخذ بها وأحسن توظيفها لا بد أن يجني ثمرتها ولو كان من الكافرين، ومن أدار لها ظهره وأعرض عنها جنى ثمرتها مرارة وتخلفا، ولو كان من المؤمنين {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} .
الأمر الثالث: إن الدين والعلم يكملان منظومة الموقف المعرفي للإنسان ومعرفته بالوجود وغايته، بدءا ونهاية, بهيئته وهويته، بما شاهده العقل وبما غاب عنه، فالعلم يقف العقل على عالم الشهادة وخصائصه وماهيته, والوحي يقدم للعقل تفسيرا لما عجز عنه العلم من التعرف على عالم الغيب وما فيه ومسائله، كما يعرفه على علل الوجود وغاياته، ومقاصد الخالق سبحانه منه, فيكتمل للعقل عناصر المنظومة المعرفية كلها، فيقف العقل