كانت تأخذ الصفة الدينية إلا أنها في حقيقتها وضعت لتحقيق مصالح المجتمع الإنساني كما سبق أن أشرنا، فهي مقاصد اجتماعية أضفى عليها الشرع صفة القداسة الدينية بنسبتها إلى الشرع لتستقر قداستها في قلوب المؤمنين لتصير هدفا وغاية يحرص الجميع على تحقيقها من منطلق إيمانه بالعقيدة الدينية, فتكون ممارستها عنوانا على إيمان صاحبها والالتزام بها.
إنه لا منقذ للبشرية من الاضطراب الذي تعيشه إلا في الاعتقاد في أوامر الوحي ونواهيه، والأخذ بها والعمل بمقتضاها، على مستوى الفرد والجماعة وأنظمة الحكم. لقد كثرت التشريعات وتعددت القوانين، ومع ذلك فإن الجرائم في زيادة مطردة كما وكيفا، ومظاهر الفساد تموج بها حركة المجتمع في كل جوانبه، والسبب في ذلك كله يرجع إلى عدم المصداقية التي تستمد منها القوانين هيبتها.
إن الوحي السماوي يستمد هيبته من نزاهة مصدره، ويكتسب ثقة المؤمن من يقين المؤمن واعتقاده بعدالة المصدر وقداسته عن الغرض والهوى. إن إيمان المسلم واعتقاده في ربه ينعكس في سلوكه التزاما بأوامر الله ونواهيه، إن العقيدة الصحيحة هي التي تخلق في المؤمنين نوعا من الرقابة الذاتية على المرء في سلوكه والتزامه، فيكون هو رقيبا بنفسه على نفسه حين يغيب عنه الرقباء تحقيقا لمعنى الإحسان الذي أشار إليه الرسول في الحديث الصحيح حين قال:"الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه, فإن لم تكن تراه فإنه يراك".