أما في جانب العلم واكتشافات العلماء فلا شك أن الإنسان تتملكه الدهشة ويستولي عليه العجب لما قطعه العلم من أشواط ومسافات كبيرة في اكتشاف مجاهل هذا الكون. فكم من قوانين كونية اكتشفها العلماء, وكم من الظواهر الطبيعية أدرك العلماء أسبابها والعلاقات المتبادلة بينها وبين أسبابها.
فعرفوا كيف يوظفون الكون ويسخرون هذه القوانين لصالح البشرية أحيانا، ولدمارها أحيانا أخرى، ولا شك أن ذلك كله في ميزان العلم والعلماء، وكلما ازداد العلماء اكتشافا لغوامض الكون ودقائقه يزداد علمهم بمدى الجهل والغموض الذي يحيط بهم في هذا الكون. ولا شك أن كل كشف علمي جديد يعتبر إضافة لرصيد المعرفة الإنسانية بالكون, وفي نفس الوقت يعتبر كشفا عما كان يجهله العقل. وهكذا تتوالى الكشوف العلمية التي تحمل معها مدى المساحة الشاسعة التي يجهلها العقل, ويعرف منها كل جديد.
ومع كثرة هذه الكشوف وأهميتها بالنسبة لحياة الإنسان إلا أنها في مجموعها تتعلق بظواهر الكون وتفسير علاقات أفراده، قال تعالى:{يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ}[الروم: ٧] . ومع كثرة هذه الكشوف إلا أنها لم تفسر لنا لغز الحياة ولا سر الوجود, وهذا ضلع المثلث الذي لا يكتمل الموقف المعرفي للعقل إلا به, والكشف عنه والاعتقاد فيه. إن العلم مع كثرة كشوفه لم يحمل لنا إجابة شافية للعقل من حيرته حول هذه الأسئلة: