ولقد ظهر لنا من قراءة تاريخ الأنبياء أن الذين عاندوا الوحي وحاربوا الأنبياء كانوا أحد نمطين كما سبق؛ إما أصحاب هوى جاء الوحي بما يعارض أهواءهم, وإما أصحاب ملك وسلطان رأوا في تعاليم الوحي ما يزلزل أركان سلطانهم. وعليك أن تتأمل معي أطراف الصراع القائم الآن بين أتباع الوحي ومعانديه لتعرف أنهم إما صاحب هوى يتبع هواه وإما صاحب سلطان, ويندرج تحت كل نمط منهما أطراف وأتباع. وهذا ما يدعونا إلى القول مطمئنين أنه لا جديد في تاريخ الحواريين بين الوحي ومعانديه؛ لأنه ليس صراعا بين أشخاص بعينهم، وإنما هو صراع بين المبادئ والأهواء، بين أصحاب المبادئ وأهل الأهواء في العصور المتتابعة, وهذه قضية بدأت بظهور الإنسان في هذا الكون ولن تختفي ما دام الإنسان على ظهر الأرض, وصدق الله العظيم:{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ}[هود: ١١٨, ١١٩] ولقد صاغ القرآن الكريم قانون الإيمان والكفر في قوله تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}[يوسف: ١٠٣] كما صاغ قانون الوفاء والجحود في قوله سبحانه: {وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}[الأعراف: ١٧] .