ولكن قد يتوقف بعض أصحاب العقول أمام الوحي الرسالي, وقد يتحفظ في قبوله وقد ينكره بالكلية. وإذا طالبنا المنكرين للوحي بالدليل وإقامة البرهان على صحة دعواهم في إنكار الوحي لا نجد لديهم دليلا واحدا على إنكارهم للوحي إلا قولهم: إن الوحي لا تثبته التجربة، أو لا تستطيع الاستدلال عليه ببرهان العقل، وهذا الذي يستدلون به ليس دليلا موجبا وإنما هو دليل نفي العلم. بمعنى أنه دليل على عدم وجدانهم لدليل الإثبات، فهم لا يعرفون دليلا موجبا للقول بالوحي وإنما الذي يعرفونه أنهم افتقدوا دليل الإثبات, إلى غير ذلك مما يدّعيه هؤلاء.
والسؤال الذي أطرحه عليهم هو: هل عدم علمكم بدليل الإثبات للوحي يعتبر دليلا على نفي الوحي في ذاته؟
وهل افتقادكم الدليل يعتبر دليلا قائما بذاته تحتجون به على نفي الوحي؟!
إن عدم معرفتكم بالدليل يعد دليلا على جهلكم بالدليل الذي يعلمه غيركم, والذي يشهد به الواقع والبرهان. ومن المعروف في لغة الأصوليين أن عدم العلم ليس علما بالعدم, بمعنى أن عدم العلم بالدليل ليس علما بعدم وجود المدلول في ذاته، فقد يكون الشيء موجودًا ولا تعلم دليل وجوده، وقد يكون له أكثر من دليل وحجة وعدم العلم بدليل الإثبات ليس دليلا على نفي الوجود, بل هو دليل على جهلكم بدليل الإثبات، وما تجهلونه أنتم فقد علمه غيركم بدلائله