هذا هو مفهوم العقل، هو عملية وظيفية يقوم بها الإنسان, وتتعاون في أدائها كل الملكات المعرفية في الإنسان الظاهر منها والباطن, ما علمناه منها وما لم نعلمه.
وهذا المعنى مال إليه سلف الأمة وقالوا به, فهم لا يرفضون العقل إذن كما حاول البعض أن يشنع عليهم بهذه الأكذوبة, ولكنهم يرفضون مذهب الفلاسفة في العقل.
وهم لا يرفضون أحكام العقل, ولا يقللون من شأنه في تحصيل العلوم واكتساب المعارف.
إذ كيف يرفضون العقل وأحكامه والإسلام في مبادئه وأصوله وشريعته مؤسس على خطاب العقل. فالقرآن نزل ليخاطب العقلاء، وليتدبره العقلاء، وليستنبط أحكامه العقلاء, ومن فَقَدَ العقل فَقَدْ فَقَدَ أهلية الخطاب القرآني، وليس له في خطاب الشرع ما يذم عليه ولا ما يمدح من أجله, بل ليس للمرء من عباداته في الإسلام إلا ما عقل منها. وشرائع الإسلام كلها لم يكلف بها إلا العقلاء، فكيف يشنع على منهج السلف بهذه الفرية الظالمة التي تدل على جهل صاحبها بمذهب السلف, وبمنهجهم العقلاني المنضبط؟!
ولعل السبب في ذلك أنه كلما تقادم العهد بزمن النبوة وجيل الصحابة والتابعين، وقل العلم بالآثار النبوية وانطمست معالم المنهج، وقل الملتزمون به وكثر المخالفون له والمشنعون عليه ممن لهم