على بصره غشاوة قد يرى الأشياء على غير ما هي عليه، فيرى الصغير كبيرا والكبير صغيرا.
٤- إن ما غاب عن حواس الإنسان وتجربته الشخصية في هذا العالم, فقد غاب عن العقل العلم اليقيني به عن هذا الطريق، طريق التجربة الحسية، لكن قد يعلمه عن طريق آخر غير تجربته هو، كأن يعلمه عن طريق خبر المعصوم مثلا أو عن طريق ما تواتر العلم به عن الأمم السابقة ... إلى غير ذلك من طرق العلم الأخرى. فكل ما ثبت صدقه عن طريق تجريب الغير له, وتم العلم به لزم الأخذ به والعمل بمقتضاه ممن لم يجرب بنفسه، وهذا في عالم الشهادة معلوم بالاضطرار من كل أحد.
فالمريض لا يسوغ له أن يمتنع عن تناول الدواء الذي وصفه الطبيب بدعوى أنه لم يجربه قبل ذلك بنفسه، والأعمى لا يسوغ له أن ينكر ضوء الشمس بحجة أنه لم يره بنفسه. وهكذا يتواتر العلم لدى العامة والخاصة بكل ما ثبت صدقه مما جربه غيرنا ولم تدركه حواسنا، وأصبح العلم به والعمل بمقتضاه لازما لنا لزوم ما جربناه بأنفسنا وأدركناه بحواسنا، ولا فرق في ذلك بين ما جربه الشخص بحواسه وما جربه غيره، فالأخذ بكل منهما ضرورة عقلية كمصدر من مصادر المعرفة.