للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خَفِيْفَةً بَعْدَ العِشَاءِ، ثُمَّ يَقومُ إِلَى الصَّباحِ يُصَلِّي وَيَدعُو.

وَقَالَ صَالِحٌ: كَانَ أَبِي إِذَا دَعَا لَهُ رَجُلٌ، قَالَ:

لَيْسَ يُحرزُ الرَّجُلُ المُؤْمِنُ إِلاَّ حُفرَتَه، الأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا.

وَقَالَ أَبِي فِي مَرَضِه: أَخرِجْ كِتَابَ عَبْدِ اللهِ بنِ إِدْرِيْسَ، فَقَالَ: اقرَأْ عَليَّ حَدِيْثَ لَيْثٍ: أَنَّ طَاوُوْساً كَانَ يَكْرَهُ الأَنِيْنَ فِي المَرَضِ.

فَمَا سَمِعْتُ لأَبِي أَنِيناً حَتَّى مَاتَ (١) .

وَسَمِعَهُ ابْنُه؛ عَبْدُ اللهِ يَقُوْلُ: تَمنَّيتُ المَوْتَ، وَهَذَا أَمرٌ أَشَدُّ عَلَيَّ مِنْ ذَلِكَ، ذَاكَ فِتْنَةُ الضَّرْبِ وَالحَبْسِ كُنْت أَحْمِلُه، وَهَذِهِ فِتْنَةُ الدُّنْيَا.

قَالَ أَحْمَدُ الدَّوْرَقِيُّ: لَمَّا قَدِمَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ مِنْ عِنْدِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، رَأَيْتُ بِهِ شُحُوباً بِمَكَّةَ، وَقَدْ تَبَيَّنَ عَلَيْهِ النَّصَبُ وَالتَّعَبُ، فَكَلَّمْتُه، فَقَالَ: هَيِّنٌ فِيْمَا اسْتَفَدنَا مِنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.

قَالَ عَبْدُ اللهِ: قَالَ أَبِي: مَا كَتَبنَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنْ حِفْظِهِ إِلاَّ المَجْلِسَ الأَوّلَ، وَذَلِكَ أَنَّا دَخَلنَا بِاللَّيْلِ، فَأَملَى عَلَيْنَا سَبْعِيْنَ حَدِيْثاً، وَقَدْ جَالَسَ مَعْمَراً تِسْعَ سِنِيْنَ، وَكَانَ يَكْتُبُ عَنْهُ كُلَّ مَا يَقُوْلُ.

قَالَ عَبْدُ اللهِ: مَنْ سَمِعَ مِنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بَعْدَ المائَتَيْنِ، فَسمَاعُه ضَعِيْفٌ.

قَالَ مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ: سُئِلَ أَحْمَدُ: أَيْنَ نَطلُبُ البُدلاَءَ؟

فَسَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ، فَلاَ أَدرِي.

قَالَ المَرُّوْذِيُّ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ إِذَا ذَكَرَ المَوْتَ، خَنَقَتْه العَبرَةُ.

وَكَانَ يَقُوْلُ: الخَوْفُ يَمْنَعُنِي أَكْلَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَإِذَا ذَكَرْتُ المَوْتَ، هَانَ عَلَيَّ كُلُّ أَمرِ الدُّنْيَا، إِنَّمَا هُوَ طَعَامٌ دُوْنَ طَعَامٍ، وَلِباسٌ دُوْنَ لِباسٍ، وَإِنَّهَا أَيَّامٌ


(١) ولا يصح هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم.