للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة، فتفجع وتلهف، واسترجع وتأسف، وذكر قصر غرناطة، فدعونا لقصره بالدوام، ولملكه بتراخي الأيام، وأمر ذلك أبا بكر الإشبيلي بالغناء فغنى:

يا دار مية بالعلياء فالسند ... أقوت وطال عليها سالف الأمد

فاستحالت مسرته، وتجمعت أسرته، وأمر بالغناء من ستارته، فغنى:

إن شئت أن لا ترى صبراً لمصطبر ... فانظر على أي حالٍ أصبح الطلل

فتأكد تطيره، واشتد اربداد وجهه وتغيره، وأمر مغنية أخرى بالغناء فغنت:

يا لهف نفسي على مالٍ أفرقه ... على المقلين من أهل المروات

إن اعتذاري إلى من جاء يسألني ... ما لست أملك من إحدى المصيبات

قال: فتلافيت الحال بأن قمت فقلت:

محل مكرمةٍ لا هد مبناه ... وشمل مأثرةٍ لا شته الله

البيت كالبيت لكن زاد ذا شرفاً ... أن الرشيد مع المعتد ركناه

ثاوٍ على أنجم الجوزاء مقعده ... وراحلٌ في سبيل السعد مسراه

حتمٌ على الملك أن يقوى وقد وصلت ... بالشرق والغرب يمناه ويسراه

بأسٌ توقد فاحمرت لواحظه ... ونائلٌ شب فاخضرت عذاراه

فلعمري لقد بسطت من نفسه، وأعدت عليه بعض أنسه، على أني وقعت فيما وقع فيه الكل، لقولي: البيت كالبيت، وأمر اثر ذلك بالغناء أبا بكر، فغنى:

ولما قضينا من منىً كل حاجةٍ ... ولم يبق إلا أن تزم الركائب

فأيقنا أن هذه الطير تعقب الغير.

<<  <   >  >>