فلقي على باب من أبواب المدينة فارساً مشهوراً بنجدة، فرماه الفارس برمح التوى في غلالته، وعصمه الله تعالى منه، وصب هو سيفه على عاتق الفارس فشقه إلى أضلاعه، فخر صريعاً سريعاً، فرأيت القائمين عندما تسنموا الأسوار تساقطوا منها، وبعد ما أمسكوا الأبواب تخلوا عنها، وأخذوا على غير طريق، وهوت بهم ريح الهيبة في كمان سحيق، فظننا أن البلد من أقذائه قد صفا، وثوب العصمة علينا قد ضفا، إلى أن كان يوم الأحد الحادي والعشرون من رجب، فعظم الخطب في الأمر الواقع، واتسع الخرق فيه على الراقع، ودخل البلد من جهة واديه، وأصيب حاضره بعادية بادية، بعد أن ظهر من دفاع المعتمد وبأسه وتراميه على الموت بنفسه، بما لا مزيد عليه، ولا تناهى خلق من خلق الله إليه، فشنت الغارة في البلد، ولم يبق فيه على سبد لأحد ولا لبد، وخرج الناس عن منازلهم، يسترون عوراتهم بأناملهم، وكشف وجوه المخدرات العذارى، ورأيت الناس سكارى وما هم بسكارى ورحل بالمعتمد وآله، بعد استئصال جميع ماله، لم يصحب منه بلغة زاد، ولا بغية مراد، فأمضيت عزيمتي في أتباعه، فوصلت إليه بأغمات عقب ثقاف، استنقذه الله منه، فذكرت به شعراً كان لي في صديق اتفق له مثل ذلك في الشهر بعينه من العام الماضي وهو الأمير أبو عبد الله بن الصفار وهو:
لم نقل في الثقاف كان ثقافاً ... كنت قلباً به وكان شغافا
يمكث الزهر في الكمام ولكن ... بعد مكث الكمام يدنو قطافا
وإذا ما الهلال غاب بغيمٍ ... لم يكن ذلك المغيب انكسافا