تريده الصوفية بالإشارة هو الذي يريده الفقهاء بالقياس والاعتبار وهذا صحيح إذا روعيت شروطه عند أكثر العلماء.
ومعلوم أن مراده هنا هو القسم الأول فهو من جنس كلام القرامطة الملاحدة.
وأما ما استشهد به من قوله تعالى:{أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} فيقال لا خلاف بين المسلمين أن في القرآن أمثالا في هذه الآية وفي غيرها بل يقال فيه أكثر من أربعين مثلا ومعلوم أن الممثل ليس هو الممثل به بل يشبهه من جهة المعنى المشترك وهذا شأن كل قياس وتمثيل واعتبار كما في قوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً} .
وقوله:{مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} الآية وقوله: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ} الآية وأمثال ذلك وقوله: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} الآية وهذه الآية وهي قوله: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} وهي أيضا على ظاهرها كسائر الآيات مع تضمنها للمثل المذكور فإنه سبحانه قال: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} وهو على ظاهره وهو الماء المعروف فإنه أخبر بإنزاله ثم أخبر بعد ذلك بالزبد الذي يخرج مما يوقد عليه النار ابتغاء حلية أو متاع ثم قال بعد ذلك: {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ} فلما ذكر المثل والتشبيه وهذا من الأمثال الذي قال في آخرها: {كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ} فقد صرح فيها بأنه يضرب الأمثال كما ضرب هذا المثل وقد بين سبحانه الأصل المشبه به ثم ذكر المشبه فانطبق الكلام على حقيقته وظاهره ومن توهم أنه أراد مجرد العلم كما توهمه المتوهم فقد غلط لكنه أراد به أولا هذا الماء وجعله مثلا مضروبا للعلم كما في الصحيحين عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مثل ما بعثني الله به