للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يقل في المنام لكان كاذبا وكذبه جميع الناس إذ اللفظ لا يدل على ذلك لا حقيقة ولا مجازا ولو كان مجازا لم يجز ذكره إلا بقرينة تبين المراد.

وإذا قال: رأيت هذا في المنام كان مصدقا في أنه رأى في المنام كذلك وإن لم يكن تأويله في اليقظة كذلك لعلم الناس أن ما يرى في المنام لا يجب أن يكون هو التأويل في اليقظة بل يكون مشابها له من بعض الوجوه ولم يقل أحد من الأمم أن مجرد المشابهة التي بين المرئي في المنام وبين تأويل الرؤيا يكفي في استعمال اللفظ على وجه الاستعارة بل لو تخاطب الناس بمثل هذا لم يفهم أحد ما أراد غيره وللاستعارة والتشبيه حدود معروفة في الخطاب.

وأما الرؤيا وتأويلها فباب لا ينضبط له حد وقد يكون تأويلها لا يشبهها إلا بوجه بعيد لا يهتدي له إلا حذاق المعبرين.

ولا ريب أن هذا الذي ذكره هو من أصول الفلاسفة القرامطة الباطنية في ردهم ما أخبر به الرسول من المعاد وغيره إلى أمثال مضروبة لكن أهل الملل يعلمون بالاضطرار أن هذا باطل وأن هذا نسبة للأنبياء إلى الكذب الصريح ويعلمون بالاضطرار أن الرسل لم تقصد مجرد ما يذكرونه ثم من المعلوم أن الرؤيا إن لم يعلم تعبيرها لم يكن فيها فائدة بل قد يضل الرائي إذا حملها على ظاهرها فإذا كان القرآن ونحوه كذلك لا بد له من مثل هذا التعبير وهو التأويل عند هؤلاء القرامطة فأحق الناس بمعرفة ذلك الصحابة ولا بد أن يبينه الرسول ولو لخواصهم بل يجب أن يبين أيضا لعوامهم وإلا كان ذلك إضلالا لهم ودعاء لهم إلى العقائد الفاسدة.

<<  <   >  >>