للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وأضل ضلالتهم أنهم اعتقدوا أن إبراهيم لما قال: {هَذَا رَبِّي} في الثلاثة مخبرا أو مستفهما أو مقدرا أراد أن هذا هو الذي خلق السماوات والأرض وأنه رب العالمين ثم أنهم لما ظنوا أنه أراد هذا سلك هؤلاء سبيلا وهؤلاء سبيلا ولو تدبروا القصة لعلموا أنها تدل على نقيض قولهم.

فالفريق الأول طوائف من أئمة أهل الكلام من الجهمية والمعتزلة ومن اتبعهم من غيرهم حتى مثل ابن عقيل وأبي حامد وغيرهم قالوا إن هذا الذي سلكه إبراهيم هو الدليل الذي سلكه هؤلاء في حدوث الأجسام حيث استدلوا على ذلك بما قام بها من الأعراض الحادثة كالحركة وأثبتوا حدوث الأعراض أو بعضها ولزومها للجسم أو بعضها ثم قالوا وما لا ينفك عن الحوادث فهو حادث ثم منهم من أخذ ذلك مسلما ومنهم من تفطن للسؤال الوارد هنا وهو الفرق بين ما لا ينفك عن عين المحدث أو نوعه فإن المحدث المعين إذا قدر أنه لازم لغيره فلا ريب أنه حادث هذا معلوم بالضرورة والاتفاق وأما ما يستلزم نوع المحدث فإنما يعلم حدوثه إذا قدر امتناع حوادث لا أول لها فخاضوا في تقرير هذه المقدمة بما ذكروه.

والمقصود هنا أن من هؤلاء من جعل هذا هو دليل إبراهيم الخليل على إثبات الصانع وهو أنه استدل بالأفول الذي هو الحركة والانتقال على حدوث ما قام به ذلك ولو تدبروا لعلموا أن قصة إبراهيم هي على نقيض مطلوبهم من الأفول أما أولا: فإن إبراهيم إنما قال: {لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} والأفول هو المغيب والاختفاء بالعلم القائم المتواتر الضروري في النفس واللغة ولم ينقل أحد أن الأفول مجرد الحركة.

وأما ثانيا: فإنه قد قال {فَلَمَّا رَأى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ

<<  <   >  >>