للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وإثباتا فحق لا اختلاف فيه بين أهل الحق، فالشفاعة المنفية إنما هي في حق المشرك الذي اتخذ له شفيعا يطلب الشفاعة منه؛ فيرغب إليه في حصولها، كما في البيت المتقدم، وهو كفر كما صرَّح به القرآن.

حديث الشفاعة العظمى

وأما الشفاعة التي أثبتها الكتاب والسنة فقد ثبتت للمذنبين الموحدين المخلصين، وهذا هو الذي تظاهرت عليه النصوص واعتقده أهل السنة والجماعة، ودانوا به.

والحديث الذي أشار إليه المعترض من قوله: "أنا لها، أنا لها" ١ لا ينافي ما تقرر، وذلك أن الناس في موقف القيامة إذا فزعوا إلى الرسل ليشفعوا لهم إلى الله في إراحتهم من كرب ذلك المقام بالحساب، وكلٌّ ذكر عذره، قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: "فيأتوني فَأَخِرُّ بين يدي الله ساجدا -أو كما قال- فأحمده بمحامد يفتحها علي، ثم يقال: ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعطه، واشفع تُشَفَّع، قال: فَيُحَدُّ لي حدا، فأدخلهم الجنة".

فتأمَّل كون هذه الشفاعة لم تقع إلا بعد السجود لله ودعائه وحمده والثناء عليه، وقوله: "فيحد لي حدا" فيه بيان أن الله هو الذي يحد له. [سؤال الحي الحاضر والتوسل إلى الله بدعائه]

وهذا الذي يقع من الناس يوم القيامة مع الرسل هو من باب سؤال الحي الحاضر، والتوسل إلى الله بدعائه كما كان الصحابة -رضي الله عنهم- يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته أن يدعو لهم إذا نابهم شيء كما في حديث الاستسقاء وغيره.

ولما توفى الله رسوله صلى الله عليه وسلم لم يكونوا يفعلون عند قبره شيئا من ذلك البتة، ففرَّق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، - وهم أعلم الأمة وأفضلها- بين حالتي الحياة والممات. وكانوا يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم عند دخول المسجد والخروج منه، وفي الصلاة والخطب وعند ذكره امتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تجعلوا قبري عيدا، ولا بيوتكم قبورا، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني أينما كنتم" ٢.

التوسل بالنبي – صلّى الله عليه وسلّم - بعد وفاته لا يجوز

ولما أراد عمر رضي الله عنه أن يستسقي بالناس، أخرج معه العباس بن


١ البخاري: التوحيد (٧٥١٠) , ومسلم: الإيمان (١٩٣) .
٢ أبو داود: المناسك (٢٠٤٢) , وأحمد (٢/٣٦٧) .

<<  <   >  >>