للأكمل والأفضل كمن اجتاز بطريقه فسمع قوما يتكلمون بكلام محرم فسد أذنيه كيلا يسمعه فهذا أحسن ولو لم يسد أذنيه لم يأثم بذلك اللهم إلا أن يكون في سماعه ضرر ديني لا يندفع إلا بالسد.
ثانيا: أن ابن حزم كأنه يتصور أن الراعي الزامر كان بين يديه صلى الله عليه وسلم ليأمره وينهاه وليس في الحديث شيء من ذلك بل لعل فيه ما قد يشعر بخلافه وهو أنه كان بعيدا لا يرى شخصه وإنما يسمع صوته ولذلك قال العلامة ابن عبد الهادي بعد أن ذكر نحو كلام ابن تيمية وخلاصته:
وتقرير الراعي لا يدل على إباحته لأنها قضية عين فلعله سمعه بلا رؤية أو بعيدا منه على رأس جبل أو مكان لا يمكن الوصول إليه أو لعل الراعي لم يكن مكلفا فلم يتعين الإنكار عليه١.
ثالثا: إن تحريم الغناء وآلات الطرب ليس بأشد تحريما من الخمر وهو يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم عاش ما شاء بين ظهراني أصحابه وهم يعاقرونها قبل التحريم فهل يصح أن يقال: إنه صلى الله عليه وسلم أقرهم ولم ينههم؟ كذلك نحن نقول - على افتراض دلالة الحديث على الإباحة -: إنه يحتمل أنه كان قبل التحريم ومع الاحتمال يسقط الاستدلال.
رابعا وأخيرا: وعلى الافتراض المذكور فهي إباحة خاصة بمزمار الراعي وهو آلة بدائية ساذجة سخيفة من حيث إثارتها للنفوس وتحريك الطباع وإخراجها عن حد الاعتدال فأين هي من الآلات الأخرى كالعود والقانون
١ نقلته من عون المعبود ٤٣٥/٤، وهو عن مرقاة الصعود للسيوطي.