للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وفي ختام هذه الأحاديث الصحيحة بنوعيها الصحيح لذاته والصحيح لغيره لا بد من ذكر مسألة هامة لتتم بها الفائدة فأقول:

لقد جرى علماء الحديث - جزاهم الله خيرا - على قواعد علمية هامة جدا في سبيل المحافظة على تراث نبي الأمة سالما من الزيادة والنقص فكما لا يجوز أن يقال عليه صلى الله عليه وسلم ما لم يقل فكذلك لا يجوز أن يهدر ما قال أو يعرض عنه فالحق بين هذا وهذا كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} .

ومما لا شك فيه أن تحقيق الاعتدال والتوسط بين الإفراط والتفريط وتمييز الصحيح من الضعيف لا يكون بالجهل أو بالهوى وإنما بالعلم والاتباع وأن ذلك لا يكون إلا بالفقه الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا الفقه لن يكون إلا بمعرفة ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم من قول وفعل وتقرير.

وإذ الأمر كذلك فإنه لا يمكن أن ينهض به إلا من كان من الفقهاء عالما أيضا بعلم الحديث وأصوله أو على الأقل يكون من أتباعهم وعلى منهجهم ولقد أبدع من قال:

أهل الحديث هم أهل النبي وإن ... لم يصحبوا نفسه أنفاسه صحبوا

وهم المقصودون بالحديث المشهور - على الاختلاف في ثبوته١ -:

"يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين"

بل وبالحديث الصحيح: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا،" رواه


١ انظر تعليقي على المشكاة ٢٤٨.

<<  <   >  >>