للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المسألة التاسعة: حُكم التولي المذكور في قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ}

• أصل الخلاف في المسألة:

المسألة في إجلال الصحابة رضوان الله عليهم، والخلاف فيها حول الملابسات التي جرت في غزوة أُحد وتنزيل أحكام الجهاد عليها، وذلك في قوله {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ}؛ هل كان هذا التولي معصية في حق الصحابة رضوان الله عليهم، أم أنه كان مأذونًا فيه بالنظر إلى حالهم وما نزل بهم؟

• نص المسألة:

قال السمين الحلبي رحمه الله: "واختلف الناس في هذا التولي؛ هل يوصف بكونه معصيةً أم لا؟

فالظاهر أنه معصية عفا الله عنها لأصحابها، وهي وإن كانت هيِّنةً لذاتها فقد عظمت بالنسبة إلى مَنْ فرُّوا عنه، وكان عليهم أن يَقُوه بأنفسهم، وهو واجبٌ حتم؛ يجب وقاية الأنبياء بالأنفُس بلا خلاف، ولا سيما سيد الأنبياء، ويدل على ذلك كونه سماه استزلالًا من الشيطان، وبقوله: {عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ}، والعفو إنما يكون -أو يوشك أن يكون- عن ذنب، ولذلك قال الشافعي رضي الله عنه في قوله عليه السلام (الصلاة في أول الوقت رضوان الله، وفي آخره عفو الله) (١): «يوشك أن يكون العفو عن المقصرين» (٢).

ثم ختم التأنيس بقوله: {وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ}؛ أي: بسبب تلك الذنوب التي اقترفوها، ولو لم يُعقِّب على ذلك بهذا لتفطَّرت أكبادهم رضي الله عنهم.

وذهب آخرون إلى أنه ليس معصية، وذكروا لسبب ذلك أشياء:


(١) رواه الترمذي في الجامع (١/ ٣٢١/ ١٧٢) بنحوه من حديث عبد الله بن عمر، وفي إسناده يعقوب بن الوليد المدني؛ متروك، وروي الحديث من طرق أخرى ضعيفة؛ ينظر في التلخيص الحبير لابن حجر (٢/ ٤٩٩ - ٥٠٢).
(٢) قال الشافعي في الرسالة (١/ ٢٨٦) عند هذا الحديث: "العفو لا يحتمل إلا معنيين: عفوٌ عن تقصير، أو توسعة، والتوسعة تشبه أن يكون الفضل في غيرها"، ولم أقف على اللفظ المذكور هنا عنه، لكن قوله هذا يفيده.

<<  <   >  >>