للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فهل يمكن أن يخطر بقلب مؤمن يقرأ هذا الحديث ويفهمه ويتأمله أن هذا الوجه العظيم كوجه الإنسان؟! هل هناك عاقل عنده شيء من العقل، يقرأ هذا الحديث ثم يقول بكلِّ حماقة ووقاحة وتفاهة لو أثبتنا لله وجهاً حقيقياً للزم من ذلك أن يكون كوجه الإنسان؟! سبحان الله عما يصفون.

فهذا يبين تفاهة عقول المعطلة ومرض صدورهم، فالذي يصل إلى هذا المستوى فما أجهله، ولا أضل عقلاً منه، ولا أضل عن سواء السبيل.

نظير ذلك في اليد، يقولون: لو أثبتنا لله يداً حقيقة للزم أن تكون مثل أيدينا، فمن يقرأ قول الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} ١، كيف يخطر بباله هذه اليد؟ أعني يد المخلوق إلا إذا كان أجهل الناس، وأذهبهم عقلاً، وأقلهم بصيرة، وأضلهم عن سواء السبيل.

وسبب التأويل هو هذا الفهم، فالمعطلة والمؤولة عندما يقرءون هذه الأحاديث لا يفهمون منها إلا هذا الذي في الشاهد، فمثلاً هنا " سبحات وجهه " يقولون: نحن لا نعقل وجهاً إلا ما نراه في الشاهد، فيقيسون وجه الله العظيم بوجه الإنسان، ثم يبنون عليه تعطيل صفة الوجه أو تأويلها أو تفويض معناها لله.

وامتن الله عز وجل على أهل السنة وأكرمهم بأن سلِموا من هذا التشبيه فسلِم لهم معتقدهم. وكلُّ من خالف أهل السنة فهو واقع في التشبيه لا محالة، بل إنَّ التشبيه هو سبب البلاء المنتشر والضلال الواقع في الأسماء والصفات، فإنَّه لما قام في نفوسهم، وظنوا أنَّه هو مدلول النص، انتقلوا إما إلى التفويض أو التعطيل أو التأويل، كلٌّ بحسب معتقده، كما قال صاحب الجوهرة:


١ الآية ٦٧ من سورة الزمر.

<<  <   >  >>