للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

" وفيكم الأحمر والأسود " هذا يوضحه ما جاء في رواية أخرى للحديث: " فيكم العربي والعجمي "، فالناس أصناف والكتاب واحد، والمطلوب من الجميع أن يرجعوا إلى هذا الكتاب الواحد.

" اقرءوا القرآن " أي: قراءة بتدبر وتفهم وعمل بما يدل عليه. وعلى هذا مضى الصحابة ومن تبعهم بإحسان. وهذا معنى قوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ} ١؛ لأن تلاوة القرآن حق التلاوة تتضمن هذه الأمور الثلاثة: القراءة، والفهم، والعمل. ومعنى تلا فلان فلاناً أي: تبعه.

" قبل أن يأتي أقوام يقرءونه يقيمون حروفه " أي: يجودون ألفاظه ويحسنون في ترتيله وتجويده وضبط مخارجه.

" كما يقام السهم " أي: في دقة متناهية وضبط متقن.

" لا يتجاوز تراقيهم " أي: حناجرهم، فحظهم من القرآن تزيين الحنجرة به، وضبط الأحرف والمخارج. أما التعقل والتفهم والعمل فلا يقيمون لها وزناً، كما سيأتي قول الحسن:"إنَّ أحدهم ليقول: قد قرأت القرآن كله فما أسقطت منه حرفاً. وقد أسقطه ـ والله ـ كلَّه، لا يرى عليه القرآن لا في خلق ولا عمل". ولهذا قد يوجد في بعض من يوصف بأنَّه من القراء ممن يعتنون بالترتيل والتجويد من لا يقيم للعمل به وزناً، وترى بعضهم متهاوناً في الصلاة. حتى إنَّ أحد هؤلاء افتتح مرة أغنية لإحدى المغنيات بآيات من القرآن الكريم والله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وللحسن البصري كلمة أخرى جميلة في هذا المعنى، قال:"أُنزِل القرآن ليعمل به، فاتخذوا تلاوته عملاً"٢. وليس هذا تهويناً من الترتيل


١ الآية ١٢١من سورة البقرة.
٢ مجموع الفتاوى " ٢٥/١٧٠ "، ومفتاح دار السعادة " ١/١٨٧ "

<<  <   >  >>