وفي قوله تعالى:{وَهُمْ يُسْأَلُونَ} تنبيه للمسلم لما ينبغي أن يبحث عنه في هذا الباب؛ فإنَّ كلَّ إنسان سيُسْأَل عما خُلق لأجله ووُجد لتحقيقه، فلن يُسأل عن أفعال الله: لمَ فعل كذا ولمَ لمْ يفعل، بل سيسأل عما قدم في هذه الحياة، فمن الخير له أن ينظر فيما يسأل عنه يوم القيامة فيقيمه، ويأتي به على التمام والكمال.
" قال الله عز وجل: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالأِنْسِ} " هذا فيه دليل على أنَّ الأمور كلَّها بتقدير الله؛ لأنَّه سبحانه ذرأ لجهنم كثيراً من الجن والإنس، أي خلقهم وأوجدهم ليكونوا حطباً لجهنم وقدَّر ذلك عليهم.
" وقال تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} " أي: لو شاء الله لجعل الناس كلَّهم مؤمنين، ولو شاء لجعلهم على مرتبة واحدة في الإيمان، ولكن اقتضت حكمته سبحانه وتعالى أن يملأ جهنم من الجنة والناس أجمعين، فخلق خلقاً هم للنار، وخلق خلقاً هم للجنة.
وهذا من أوضح ما يبيِّن أنَّ الأمور كلَّها بقدر.
" وقال عز وجل: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} " يدخل تحت لفظة: " كلَّ " جميع الأشياء: القيام والقعود، والحي والميت، والأخضر واليابس، فكلُّ شيء خلقه الله بقدر.
" وروى علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله ومعه مخصرة، فنكس وجعل ينكت بمخصرته، ثم قال:""ما منكم من أحد إلا قد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار. فقالوا: يا رسول أفلا نتكل على كتابنا؟ فقال: