للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن لطيف ما يُروى في هذا الباب: أنَّه""قيل لأعرابي أمؤمن أنت؟ فجعل يقول: أزكي نفسي! " ١. فهذا الأعرابي بفطرته خير من مئات المتكلمين الذين تاهوا في خضم بحر الكلام الباطل.

٤ـ أنَّ الاستثناء لا يعني الشك، فقد يستثنى في الأمور المتيقنة، قال تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ} ٢. وقال النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه لأهل القبور:""وإنَّا إن شاء الله بكم لاحقون " ٣، وقد نعيت له نفسه الشريفة صلى الله عليه وسلم، فقال تبارك وتعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} ٤.

فالاستثناء في الإيمان لا يقتضي الشك، ومن لا يستثني في الإيمان ـ كما سيأتي الإشارة إليهم ـ يلمزون السلف بأنَّهم شكاك، وهذا لمز لهم بأمر لا يلزمهم، فقد عرفنا من أدلة القرآن والسنة أنَّ الاستثناء قد يكون بدون شك، والسلف ـ رحمهم الله ـ لما استثنوا لم يكن ذلك عن شك منهم في أصل الإيمان، وإنما استثناؤهم راجع إلى كمال الإيمان وتمامه.

ومن جميل ما يُروى في هذا الباب أنَّ الحسن البصري ـ رحمه الله ـ سئل مرة أمؤمن أنت؟ فقال:""الإيمان إيمانان، فإن كنت تسألني عن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والجنة والبعث والحساب أنا مؤمن. وإن كنت تسألني عن قول الله عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا


١ رواه اللالكائي في شرح الاعتقاد " رقم ١٨٥٣ "
٢ الآية ٢٧ من سورة الفتح.
٣ أخرجه مسلم " رقم ٢٢٥٢ "
٤ الآية ٣٠ من سورة الزمر.

<<  <   >  >>