للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

بالإيمان هذه العمارة جدَّت الجوارح واجتهدت عملاً وطاعة وتقرباً إلى الله سبحانه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:""ألا وإنَّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلُّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلُّه ألا وهي القلب " ١.

أما المحسن فأعلى من هؤلاء، إذ الإحسان: الإتقان والإجادة، فالمحسن هو الذي أتقن في تحقيق الدين وأجاد في تتميم العبادة والطاعة لرب العالمين حتى بلغ به الحال أنْ يعبد الله كأنَّه يراه. وهذه رتبة عالية رفيعة لا يصل إليها كلُّ أحد كما قال تعالى: {ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ} ٢.

فهذه مراتب الدين، وقد جاء نظيرها في قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} ٣.

ومن لا يفرق بين الإسلام والإيمان يحتج بقول الله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} ٤ فإنَّ المعنيين في الآية أهلُ بيت واحد وقد ذكروا مرة بالإيمان ومرة بالإسلام.

والجواب على هذا أن التنويع في الوصف في الآية قد جاء للفرق بين حالين: حال الإخراج وحال الوجود، فلما ذُكر الموجودون ذكروا بصفة الإسلام على اعتبار العمل الظاهر، ولما ذُكر المخرجون ذكروا بصفة الإيمان؛ لأنَّ الموجودين فيهم من عمله الظاهر عمل أهل الإسلام لكنه ليس منهم، كامرأة لوط، ولهذا لم تكن من المخرجين، مع أنها من الموجودين.


١ أخرجه البخاري " رقم ٥٢ "، ومسلم " رقم ٤٠٧٠ "
٢ الآيتان ١٣، ١٤ من سورة الواقعة.
٣ الآية ٣٢ من سورة فاطر.
٤ الآيتان ٣٥، ٣٦ من سورة الذاريات.

<<  <   >  >>