للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقول: أن أؤمن بأنَّ الله مستو على العرش، لكن للاستواء ـ عنده ـ معنى غير الذي يدل عليه النص، فاحتيج إلى هذه الكلمة"بائن من خلقه"حتى يتبين المحق من المبطل. فمن أثبت أنَّ الله مستو على عرشه بائن من خلقه أثبت العلو الحقيقي الذي دل عليه لفظ الاستواء.

وكان أحد القضاة من أهل السنة ١ أمر بسجن أحد الجهمية؛ لأنَّه لا يثبت استواء الله على عرشه. فقيل: إنه تاب. فقال: ائتوني به أمتحنه. فجاءوا بالرجل، فقال له: أتؤمن بأنَّ الله مستو على عرشه بائن من خلقه؟ فقال: أنا أؤمن بأن الله مستو على عرشه، ولا أدري ما بائن. فقال: ردوه إلى السجن فإنه لم يتب.

"ولا نقول كما قالت الجهمية: إنه هاهنا، وأشار إلى الأرض" الجهمية يقولون: إنَّ الله في كلِّ مكان، وهذا القول عند متصوفة الجهمية؛ لأنَّ الجهمية ـ كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية ـ على قسمين: قسم متكلمون، وقسم متصوفة. فمتكلمو الجهمية يقولون: إنَّ الله لا فوق ولا تحت، ولا عن يمين العالم ولا عن شماله، ولا داخله ولا خارجه، ولا متصلاً به ولا منفصلاً عنه. أما متصوفتهم فإنهم يقولون: إنَّ الله في كلِّ مكان.

فالمتكلم صاحب كلام وجدل، ليس للعبادة عنده مجال. أما المتصوف فعنده تعبد، والمتعبد يريد شيئاً يتجه إليه، فلو قال: إنَّ الله لا فوق ولا تحت، ولا عن يمين العالم ولا عن شماله فهذا يعني أنَّ معبوده عدم، وما ثمة شيء يتجه إليه.


١ هو هشام بن عبيد الله الرازي، عالم الري من أئمة الفقه على مذهب أبي حنيفة. وانظر القصة في اجتماع الجيوش الإسلامية ص١٤٠

<<  <   >  >>