وقد ذكر هذه الأحاديث وغيرها الشوكاني في كتابه شرح الصدور، ويأتي تخريجها حيث ذكرها.
وهذه الأحاديثُ الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتملت على التحذير من اتِّخاذ القبور مساجد مطلقاً، وبعضُها يُفيد حصولَ ذلك منه قبل أن يموت بخمسٍ، وبعضُها يُفيد حصولَ ذلك عند نزول الموتِ به، وفي ذلك أوضحُ دليل على أنَّ هذا الحكمَ محكمٌ غير منسوخ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال ذلك ولَم يعش بعده، حتى يكون هناك مجالٌ للنسخ.
والتحذيرُ من ذلك جاء على صِيَغٍ متعدِّدة، فجاء بصيغة الدعاء باللَّعنة على اليهود والنصارى، وجاء بصيغة الدعاء بمقاتلَة الله لليهود، وجاء بوصف فاعلي ذلك بأنَّهم شرارُ الخَلق عند الله، وجاء بصيغة "لا" الناهية في قوله: "ألا فلا تتَّخذوا القبورَ مساجد"، وبصيغة لفظ النَّهي بقوله:"إنِّي أنهاكم عن ذلك".
وهذا مِن كمال نُصحِه لأمَّتِه صلى الله عليه وسلم، وحرصِه على نَجاتِها وشفقتِه عليها، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه، وجزاه أوفَى الجزاء، وأثابَه أَتَمَّ مثوبَة.
واتِّخاذ القبور مساجد يشمل بناء المسجد على القبر، كما قال صلى الله عليه وسلم في النصارى:"أولئك إذا كان فيهم الرَّجل الصالِح فمات بَنَوا على قبره مسجداً، وصوَّروا فيه تلك الصُّوَر، أولئك شرارُ الخلق عند الله"، وهو في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها.
ويَشمل قَصدَها واستقبالَها في الصلاة، كما قال صلى الله عليه وسلم:"لا تجلِسوا على القبور، ولا تُصلُّوا إليها"، أخرجه مسلم (٩٧٢) من حديث أبي مَرثَد الغنَويِّ رضي الله عنه. ويَشمل السجودَ على القبر من باب أولى؛ إذ هو أخصُّ من الصلاة إليه.