للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[٤٥٢٧- لبيد بن ربيعة]

ب د ع: لبيد بْن رَبِيعة بْن عَامِر بْن مَالِك بْن جَعْفَر بْن كلاب بْن رَبِيعة بْن عَامِر بْن صعصعة العامري ثُمَّ الجعفري كَانَ شاعرًا من فحول الشعراء، وفد عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سنة وفد قومه بنو جَعْفَر، فأسلم وحسن إسلامه.

أنشدت لَهُ عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا، قولُه:

ذهب الَّذِينَ يعاش فِي أكنافهم وبقيت فِي خلف كجلد الأجرب

فقالت: رحم اللَّه لبيدًا، كيف لو أدرك زماننا هَذَا! وهو حديث مسلسل، لولا التطويل لذكرناه.

وروى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلال اللَّه باطل ".

ولما أسلم لبيد ترك قول الشعر، فلم يقل غير بيت واحد، وهو قولُه:

ما عاتب المرء الكريم كنفسه والمرء يصلحه القرين الصالح

وقيل: بل قَالَ:

الحمد لله إذ لم يأتني أجلي حتَّى اكتسيت من الْإِسْلَام سربالًا

وقيل: إن هَذَا البيت لغيره، وَقَدْ ذكرناه، وقيل: بل قَالَ:

وكل امرئ يومًا سيعلم سعيه إِذَا كشفت عند الإله المحاصد

وقَالَ أكثر أهل الأخبار: لم يقل شعرًا منذ أسلم.

وكان شريفًا فِي الجاهلية والإسلام، وكان قَدْ نذر أن لا تهب الصبا، إلا نحر وأطعم، ثُمَّ إنه نزل الكوفة، وكان المغيرة بْن شُعْبَة إِذَا هبت الصبا يَقُولُ: أعينوا أبا عقيل عَلَى مروءته: قيل: هبت الصبا يومًا، وهو بالكوفة، ولبيد مقتر، مملق، فعلم بذلك الْوَلِيد بْن عقبة بْن أَبِي معيط وكان أميرًا عليها، فخطب النَّاس وقَالَ: إنكم قَدْ عرفتم نذر أَبِي عقيل، وما وكد عَلَى نفسه، فأعينوا أخاكم، ثُمَّ نزل، فبعث إِلَيْه بمائة ناقة، وبعث النَّاس إِلَيْه فقضى نذره، وكتب إِلَيْه الْوَلِيد:

أرى الجزار يشحذ شفرتيه إِذَا هبت رياح أَبِي عقيل

أغر الوجه أبيض عامري طويل الباع كالسيف الصقيل

وفي ابْن الجعفري بحلفتيه عَلَى العلات والمال القليل

بنحر الكوم إِذَا سحبت عَلَيْه ذيول صبًا تجاوب بالأصيل

فلما أتاه الشعر قَالَ لابنته: أجيبيه، فقد رأيتني وما أعيا بجواب شاعر، فقالت:

إِذَا هبت رياح أَبِي عقيل دعونا عند هبتها الوليدا

أشم الأنف أصيد عبشميًا أعان عَلَى مروءته لبيدا

بأمثال الهضاب كأن ركبًا عليها من بني حام قعودًا

أبا وهب جزاك اللَّه خيرًا نحرناها وأطعمنا الثريدا

فعد إن الكريم لَهُ معاد وظني يابْن أروى أن تعودا

ثُمَّ عرضت الشعر عَلَى أبيها، فَقَالَ: قَدْ أحسنت، لولا إنك استزدتيه! فقالت: والله ما استزدته، إلا أَنَّهُ ملك، ولو كَانَ سوقة لم أفعل.

وكان لبين بْن رَبِيعة، وعلقمة بْن علاثة العامريان من المؤلفة قلوبهم، وحسن إسلامهما.

ومما يستجاد من شعره قولُه من قصيدة يرثي أخاه أربد:

أعاذل ما يدريك إلا تظنيًا إِذَا رحل السفار: من هُوَ راجع

أتجزع مما أحدث الدهر للفتى وأي كريم لم تصبه القوارع

لعمرك ما تدري الضوارب بالحصى ولا زاجرات الطير ما اللَّه صانع

وما المرء إلا كالشهاب وضوئه يحور رمادًا بعد ما هُوَ ساطع

وما البر إلا مضمرات من التقى وما المال إلا معمرات ودائع

وقَالَ عُمَر بْن الخطاب يومًا للبيد بْن رَبِيعة: أنشدني شيئًا من شعرك، فَقَالَ: ما كنت لأقول شعرًا بعد أن علمني اللَّه البقرة وآل عمران، فزاده عُمَر فِي عطائه خمسمائة، وكان ألفين، فلما كَانَ في زمن معاوية، قَالَ لَهُ معاوية: هذان الفودان، فما بال العلاوة؟ يعني بالفودين الألفين، وبالعلاوة الخمسمائة، وأراد أن يحطه إياها، فَقَالَ: أموت الآن وتبقى لَكَ العلاوة والفودان! فرق لَهُ وترك عطاءه عَلَى حاله، فمات بعد ذَلِكَ بيسير.

وقيل: إنه لم يدرك خلافة معاوية، وَإِنما مات بالكوفة فِي إمارة الْوَلِيد بْن عقبة عليها فِي خلافة عثمان، وهو أصح.

ولما مات بعث الْوَلِيد إِلَى منزله عشرين جزورًا، فنحرت عَنْهُ.

روى أن الشَّعْبِيّ، قَالَ لعبد الملك بْن مروان: تعيش ما عاش لبيد بْن رَبِيعة، وذلك أَنَّهُ لما بلغ سبعًا وسبعين سنة، أنشأ يَقُولُ:

باتت تشكي إليَّ النفس مجهشة وَقَدْ حملتك سبعا بعد سبعينا

فإن تزادي ثلاثًا تبلغي أملا وفي الثلاث وفاء للثمانينا

ثُمَّ عاش حتَّى بلغ تسعين، فَقَالَ:

كأني وَقَدْ جاوزت تسعين حجة خلعت بها عَنْ منكبي ردائيًا

ثُمَّ عاش حتَّى بلغ مائة وعشرًا، فَقَالَ:

أليس فِي مائة قَدْ عاشها رَجُل وفي تكامل عشر بعدها عُمَر

ثُمَّ عاش حتَّى بلغ مائة وعشرين، فَقَالَ:

ولقد سئمت من الحياة وطولها وسؤال هَذَا النَّاس كيف لبيد

وقَالَ مَالِك بْن أنس: بلغني أن لبيد بْن رَبِيعة عاش مائة وأربعين سنة.

وقيل: مات وهو ابْن مائة وسبع وخمسين سنة، وقيل: مات سنة إحدى وأربعين.

ثُمَّ دخل معاوية الكوفة، وتسلم الأمر ونزل بالنخيلة.

أَخْرَجَهُ الثلاثة.

<<  <  ج: ص:  >  >>