للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نفي التشبيه، ويعلم أنه لا يصح الاعتماد عليها، وإنما الاعتماد على ما دل عليه السمع والعقل من وصف الله تعالى بصفات الكمال على وجه لا نقص فيه، وعلى هذا فكل ما ينافي صفات الكمال الثابتة لله، فالله منزه عنه؛ لأن ثبوت أحد الضدين نفي للآخر ولما يستلزمه.

وبهذا يمكن دفع ما أثبته هذا المفتري لله تعالى من صفات النقص فيقال: الحزن، والبكاء، والجوع، والعطش صفات نقص منافية لكماله فتكون منتفية عن الله، ويقال أيضاً: الأكل، والشرب مستلزم للحاجة والحاجة نقص، وما استلزم النقص فهو نقص، ويقال أيضاً، الكبد، والمعدة، والأمعاء آلات الأكل والشرب، والمنزه عن الأكل والشرب منزه عن آلات ذلك.

وأما الفرح، والضحك، والغضب، ونحوها فهي صفات كمال لا نقص فيها فلا تنتفي عنه لكنها لا تماثل ما يتصف به المخلوق منها فإنه سبحانه لا كفء له، ولا سمي، ولا مثل، فلا يجوز أن تكون حقيقة ذاته كحقيقة شيء من ذوات المخلوقين، ولا حقيقة شيء من صفاته كحقيقة شيء من صفات المخلوقين؛ لأنه ليس من جنس المخلوقات، لا الملائكة، ولا الآدميين، ولا السموات، ولا الكواكب، ولا الهواء، ولا الأرض وغير ذلك.

بل يعلم أن حقيقته على مماثلة شيء من الموجودات أبعد من سائر الحقائق، لأن الحقيقتين إذا تماثلتا جاز على الواحدة ما يجوز على الأخرى، ووجب لها ما يجب للأخرى، وامتنع عليها ما يمتنع على الأخرى، فيلزم أن يجوز على الخالق الواجب بنفسه ما يجوز على المخلوق المحدث، وأن يثبت لهذا المخلوق ما يثبت للخالق فيكون الشيء الواجد واجباً بنفسه غير واجب بنفسه، موجوداً معدوماً، وهذا جمع بين النقيضين.

<<  <   >  >>