وكل فعل رتب الله عليه عقاباً أو ثواباً فهو من الأسباب الشرعية باعتبار كونه مطلوباً من العبد، ومن الأسباب القدرية باعتبار وقوعه بقضاء الله وقدره.
والناس في الأسباب طرفان ووسط:
فالطرف الأول: نفاة أنكروا تأثير الأسباب وجعلوها مجرد علامات يحصل الشيء عندها لا بها، حتى قالوا: إن انكسار الزجاجة بالحجر إذا رميتها به حصل عند الإصابة لا بها. وهؤلاء خالفوا السمع، وكابروا الحس، وأنكروا حكمة الله تعالى في ربط المسببات بأسبابها.
والطرف الثاني: غلاة أثبتوا تأثير الأسباب، لكنهم غلوا في ذلك وجعلوها مؤثرة بذاتها، وهؤلاء وقعوا في الشرك، حيث أثبتوا موجداً مع الله تعالى وخالفوا السمع والحس. فقد دل الكتاب والسنة وإجماع الأمة على أنه لا خالق إلا الله، كما أننا نعلم بالشاهد المحسوس أن الأسباب قد تتخلف عنها مسبباتها بإذن الله، كما في تخلف إحراق النار لإبراهيم الخليل حين ألقي فيها فقال الله تعالى:{يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ}[الأنبياء: ٦٩] . فكانت برداً وسلاماً عليه ولم يحترق بها.
وأما الوسط: فهم الذين هدوا إلى الحق وتوسطوا بين الفريقين وأخذوا بما مع كل واحد منهما من الحق، فأثبتوا للأسباب تأثيراً في مسبباتها لكن لا بذاتها بل بما أودعه الله تعالى فيها من القوى الموجبة.