للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فعلم بمجموع هذه الأدلة أن نزول كلام الله على أنبيائه متفق عليه بين الفرق بأسرها، فمنكر ذلك يكون خارقاً للإجماع لا يعتد به، سيما من خرق إجماع الصحابة١ فيما هو من أصول الدين ودعائمه، فإنهم رضوان الله عليهم أجمعوا على ذلك من غير أن يخطر لهم حقيقة أو مجازاً في معنى النزول، فإن هذا الأمر من أهم الأمور في الدين وعليه بنيان قواعد شرائع المسلمين، فلما أهملوا ذلك لم يتعرضوا إليه، دل على اتفاقهم ما قلنا، ولا يمكن إطباق جميع الصحابة وهم نقلة هذا العلم وأصول الدين وأصحاب العربية واللسان والفصاحة على استعمال المجاز في صور لا تعد ولا تحصى، فيصير هذا الإجماع كإجماع المسلمين على أن المدفون بيثرب في الحجرة المحجوج٢ محمد بن عبد الله بن عبد المطلب هو رسول الله حقاً، وأن الناس بأسرهم إذا وصلوه حيوه وسلموا عليه وتضرعوا بين يديه كأنهم شاهدوه عياناً من غير أن يخطر لهم أن المدفون ثم روحه أم جسده أم المجموع فاحتمال خطران هذا الخاطر لأحد من أصحاب الخيالات الفاسدة لا يقدم


١ قال شمس الدين محمد بن مفلح الحنبلي (ت:٧٦٣) :لا يختص الإجماع بالصحابة، وإجماع كل عصر حجة عند أحمد وعامة الفقهاء والمتكلمين، خلاف لداود وأصحابه، وعن أحمد مثله قال ابن عقيل: وصرفها شيخنا عن ظاهرها بلا دليل.
وقال بعض أصحابنا: لا يكاد يوجد عن أحمد احتجاج بإجماع بعد عصر التابعين أو بعد القرون الثلاثة.
لنا عموم الأدلة. احتجوا: بظاهر الآيات السابقة، فكانوا كل الأمة، وليس من بعدهم كلها دونهم، وموتهم لم يخرجهم منها.
رد: فيقدح موت الموجود حين الخطاب في انعقاد إجماع الباقين، ومن أسلم بعد الخطاب لا يعتد بخلافه.
قالوا: ما لا يقطع فيه سائغ فيه الاجتهاد وبإجماع الصحابة، فلو اعتد بإجماع غيرهم تعارض الإجماعان.
رد: لم يجمعوا على أنها اجتهادية مطلقاً، وإلا لما أجمع من بعدهم فيها لتعارض الإجماعين، وبلزومه بالصحابة قبل إجماعهم، فكان مشروطاً بعدم الإجماع" أصول الفقه" (٢/٤٠٢-٤٠٣) .
٢ هكذا في الأصل، ولعل الصواب: المحجوج إليه.

<<  <   >  >>