للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأجَاب عَمَّا أشْكَل في آيَة "المائدة"، فَقال: فإنْ قَال قَائل: كَيف يَقُولُون لا عِلْم لَنا وقَد عَلِمُوا مَا أجَابُوا؟

قيل: إنَّ جَهَنَّم تَزْفُر زَفْرة تَذْهَل بِهَا عُقُولهم، فَيَقُولون مِنْ شِدَّة الفَزَع: لا عِلْم لنا ثم يَرُدّ الله تعالى عَليهم عُقُولهم فيُخْبِرُون بِالْجَوَاب.

وقِيل: مَعْنَاه: لا عِلْم لَنا إلَّا العِلْم الذي أنْت أعْلَم به مِنَّا، أوْ إلَّا مَا عَلّمْتَنَا.

وقِيل: مَعْنَاه: لا عِلْم لَنا بِوَجْه الْحِكْمَة في سُؤالك إيانا عن أمْرٍ أنْت أعْلَم بِه مِنَّا.

وقِيل: مَعْنَاه: لا عِلْم بِعَاقِبة أمْرِهم، وبِمَا أحْدَثُوا مِنْ بَعْد، وأنَّ أمْرَهُم على مَاذا خُتِم. وعَلى هَذا دَلّ شَيئان:

أحَدهما: مِنْ الآيَة قَوله: (إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ).

والثَّاني: ما رُوي صَحيحًا (١) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: يُسْلَك بِطَائفَة مِنْ أصْحَابي ذَات الشِّمَال - يَعْنِي يَوْم القِيَامَة - فَأقُول: يَا رَبّ أصْحَابِي أصْحَابِي، فَيَقُول الله تَبارك وتَعالى: إنك لا تَدْرِي مَا أحْدَثُوا بَعْدك؛ إنّهم لَم يَزالُوا مُرْتَدِّين على أعْقَابِهم مُنْذ فَارَقْتَهم، فَأقُول مَا قَال العَبْد الصَّالِح: و (كُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [المائدة: ١١٧] (٢).

وذَكَر الثعلبي في آيَة "المائدة" ثلاثة أقْوال:

(مَاذَا أُجِبْتُمْ) أي: مَا الذي أَجَابَتْكُم أمَّتُكم؟ ومَا الذي رَدّ عَليكم قَوْمُكم حِين دَعَوْتُمُوهم إلى تَوحِيدِي وطَاعَتي؟ (قَالُوا) أي: فَيَقُولُون (لَا عِلْمَ).


(١) رواه البخاري ومسلم بنحوه. وسبق تخريجه.
(٢) تفسير القرآن، مرجع سابق (٢/ ٧٧، ٧٨).

<<  <   >  >>