للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبِنحو جَواب الزمخشري أجَاب ابنُ جُزَيّ، بل نَقَل عنه بَعض جَوَابه، فَقَال في آيَة "المائدة": (يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ) هو يَوم القِيَامَة، وانْتَصَبَ الظَّرْف بِفِعْلٍ مُضْمَر، أي: مَاذا أجَابَكم بِه الأُمَم مِنْ إيمان وكُفْر، وطَاعة ومَعْصِيَة، والْمَقْصُود بِهَذا السُّؤال تَوْبِيخ مَنْ كَفَر مِنْ الأُمَم، وإقَامَة الْحُجَّة عَليهم.

(قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا) إنما قالوا ذلك تأدُّبًا مع الله، فَوَكَلُوا العِلْم إليه.

قال ابن عباس: الْمَعْنَى: لا عِلْم لَنا إلَّا مَا عَلّمْتَنا.

وقيل: مَعْنَاه: عِلْمُنا سَاقِط في جَنْب عِلْمِك، ويُقَوِّي ذَلك قَوله: (إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ)؛ لأنَّ مَنْ عَلِم الْخَفِيّات لم تَخْفَ عَليه الظَّوَاهِر.

وقيل: ذُهِلُوا عن الْجَواب لِهَول ذلك اليَوم، وهذا بَعيد، لأنَّ الأنبياء في ذلك اليَوم آمِنُون.

وقيل: أرَادُوا بِذلك تَوْبِيخ الكُفَّار (١).

واكْتَفَى في آيَة "النساء" بِذِكْر الْمَعْنَى، فَقال: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا) تقديره: كَيف يَكُون الْحَال إذا جئنَا بِشَهِيد، هُو نَبِيّهم يَشْهَد عَليهم بأعْمَالِهم، (وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا) أي: تَشْهَد على قَومِك (٢).

كَمَا اقْتَصَر في آيَة "النحل" على قَوله: (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا) أي: يَشْهَد عَليهم بِإيمَانِهم وكُفْرِهم (٣).

ونَقَل الرازي عن الزمخشري بعض قَوله، ثم أجَاب عن تَوهُّم التَّعَارُض بِقَوله: قَوله تَعالى: (قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) يَدُلّ على أنَّ الأنبياء لا يَشْهَدُون لأُمَمِهم،


(١) التسهيل، مرجع سابق (١/ ١٩٢).
(٢) المرجع السابق (١/ ١٤١).
(٣) المرجع السابق (٢/ ١٦٠).

<<  <   >  >>