للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا عدوى ولا طيرة (١)

ــ

= لكم إنما يعود عليكم، وقوله: {أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ} ١ أي من أجل أنّا ذكرناكم وأمرناكم بتوحيد الله قابلتمونا بهذا الكلام،: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} ٢. قال قتادة: أئن ذكرناكم بالله تطيرتم بنا؟ ومناسبة الآيتين للترجمة أن التطير من عمل الجاهلية المشركين، وقد ذمهم الله به ومقتهم، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التطير، وأخبر أنه شرك كما سيأتي.

(١) العدوى الفساد وما يعدي من جرب وغيره، أي يتجاوز من واحد إلى آخر من الإعداء كالدعوى، يقال أعداه الداء يعديه إعداء. إذا أصابه مثل ما بصاحب الداء، وذلك بأن يكون ببعير جرب مثلا فتتقى مخالطته بإبل أخرى حذرا أن يتعدى ما به من الجرب إليها، فيصيبها ما أصابه فأبطله الإسلام؛ لأنهم كانوا يظنون أن المرض بنفسه وطبعه يتعدى، فأخبر -عليه الصلاة والسلام- أن الله هو الذي يمرض وينزل الداء. فإن قيل: جاء عنه صلى الله عليه وسلم " وفر من المجذوم كما تفر من الأسد وقال: " لا يورد ممرض على مصح "٣.

وقال في الطاعون: " من سمع به في أرض فلا يقدم عليه " ٤. قيل: اختلف العلماء في ذلك، والأولى ما قاله البيهقي وابن القيم وابن رجب وغيرهم من أهل التحقيق في ذلك وهو أن قوله: "لا عدوى" على الوجه الذي يعتقده أهل الجاهلية من إضافة الفعل إلى غير الله، وأن الأمور تتعدى بطبعها، وإلا فقد يجعل الله بمشيئته وتقديره مخالطة الصحيح من به شيء من الأمراض سببا لحدوث ذلك، أو ذريعة إلى إعدائه أو لأذيته بالتوهم والخوف، وذلك سبب لإصابة المكروه به. ولهذا قال: " فر من المجذوم "٥. ولما قال -عليه الصلاة والسلام-: " لا يعدي شيء. قال له أعرابي: النقبة من الجرب تكون بمشفر البعير أو بذنبه في الإبل العظيمة فتجرب كلها، فقال: فمن أجرب الأول؟ لا =


١ سورة يس آية: ١٩.
٢ سورة الأعراف آية: ٨١.
٣ الترمذي: الأشربة (١٨٦٦) , وأبو داود: الأشربة (٣٦٨٧) .
٤ الترمذي: البيوع (١٢٩٥) , وابن ماجه: الأشربة (٣٣٨١) .
٥ البخاري: الاعتصام بالكتاب والسنة (٧٢٨٨) , ومسلم: الحج (١٣٣٧) , والنسائي: مناسك الحج (٢٦١٩) , وابن ماجه: المقدمة (١ ,٢) , وأحمد (٢/٢٤٧ ,٢/٢٥٨ ,٢/٣١٣ ,٢/٣٥٥ ,٢/٤٢٨ ,٢/٤٤٧ ,٢/٤٥٦ ,٢/٤٦٧ ,٢/٤٨٢ ,٢/٤٩٥ ,٢/٥٠٨) .

<<  <   >  >>