وقال ابن القيم: إخباره بالشؤم ليس فيه إثبات الطيرة التي نفاها الله، وإنما غايته أن الله سبحانه قد يخلق منها أعيانا مشؤومة على من قاربها وساكنها، وأعيانا مباركة لا يلحق من قاربها منها شؤم ولا شر، كما يعطي الوالدين ولدا مباركا يريان الخير على وجهه، ويعطي غيرهما ولدا مشؤوما يريان الشر على وجهه، والله خالق الخير والشر، فيخلق بعض هذه الأعيان مباركة، ويقضي بسعادة من قاربها، ويخلق بعضها مشؤومة يتضرر بها من قاربها، وكل ذلك بقضاء الله وقدره، كما خلق سائر الأسباب، وكما خلق المسك وضده، وذلك مدرك بالحس، فهذا لون والطيرة الشركية لون آخر.
(١) الهامة بتخفيف الميم وقد تشدد: البومة، إذا وقعت إلى بيت أحدهم يقول: نعت إلي نفسي، أو أحدا من أهل داري، أو يخرب المنزل، وقيل: إن العرب كانت تعتقد أن عظام الميت، وقيل: روحه تنقلب هامة تطير، ولا تزال تنادي على قبره ونحوه، للأخذ بثأره. قال النووي:((ويجوز أن يكون المراد النوعين، فإنهما جميعا باطلان، وجاءت السنة بنفي ذلك وإبطاله، وضلالة الجاهلية فيما تعتقده من ذلك)) .
و"صفر" بفتح الفاء قيل: المراد تأخيرهم المحرم إلى صفر، وهو النسيء الذي كانوا يفعلونه، يحلون المحرم ويحرمون صفر مكانه، وكانوا يتشاءمون بصفر، ويقولون: إنه شهر مشؤوم، فأبطل صلى الله عليه وسلم ذلك، والتشاؤم به من جنس الطيرة المنهي عنها، وكذلك التشاؤم بيوم من الأيام، وتشاؤم أهل الجاهلية بشوال في النكاح خاصة. وقيل: صفر حية في البطن، وهي دود تصيب الماشية والناس، وربما قتلت صاحبها، وكانت أعدى من الجرب عند العرب، وهذا المشهور عند أكثر أهل العلم، منهم: سفيان وأحمد والبخاري وجابر بن عبد الله وهو راوي الحديث، ويجوز أن يكونا مرادين معا، وأن الصفرين جميعا باطلان.