للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٨٤٠ - وَعَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: إِنِّي كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ (اَلطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَكَانَ طَعَامُنَا يَوْمَئِذٍ اَلشَّعِيرَ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

===

• اذكر الحديث بطوله؟

عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (أَنَّهُ أَرْسَلَ غُلَامَهُ بِصَاعِ قَمْحٍ فَقَالَ بِعْهُ ثُمَّ اشْتَرِ بِهِ شَعِيراً. فَذَهَبَ الْغُلَامُ فَأَخَذَ صَاعاً وَزِيَادَةَ بَعْضِ صَاعٍ فَلَمَّا جَاءَ مَعْمَراً أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ لَهُ مَعْمَرٌ لِمَ فَعَلْتَ ذَلِكَ انْطَلِقْ فَرُدَّهُ وَلَا تَأْخُذَنَّ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ فَإِنِّي كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلاً بِمِثْلٍ». قَالَ وَكَانَ طَعَامُنَا يَوْمَئِذٍ الشَّعِيرَ. قِيلَ لَهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمِثْلِهِ قَالَ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُضَارِع). رواه مسلم

(أَنَّهُ أَرْسَلَ غُلَامَهُ) أي: خادمه.

(بصَاعِ قَمْحٍ) وهو البر.

(فَقَالَ بِعْهُ ثُمَّ اشْتَرِ بِهِ شَعِيراً) أي: بثمنه.

(فَذَهَبَ الْغُلَامُ فَأَخَذَ صَاعاً) أي: من الشعير.

(فَقَالَ لَهُ مَعْمَرٌ لِمَ فَعَلْتَ ذَلِكَ) أي: بيع صاع القمح بصاع الشعير والزيادة.

(وَلَا تَأْخُذَنَّ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ) أي: لا تأخذ الشعير بالقمح إلا متماثلين في الكيل.

(قِيلَ لَهُ) أي: لمعمر.

(فَإِنَّهُ) أي: الشعير.

(لَيْسَ بِمِثْلِهِ) أي: مثل القمح، يعني أنه ليس من جنسه، أي: أن القمح والشعير جنسان مختلفان، فلا يحرم فيهما التفاضل، فلماذا تريد أن تفسخ هذا البيع؟

(قَالَ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُضَارِع) أي: يشابه، ومعناه أخاف أن يكون في معنى المماثل، فيكون له حكمه في تحريم الربا.

• من الذي استدل بهذا الحديث على أن الحنطة والشعير جنس واحد؟

الذي استدل به مالك، فلا يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلاً.

قال النووي: وَاحْتَجَّ مَالِك بِهَذَا الْحَدِيث فِي كَوْن الْحِنْطَة وَالشَّعِير صِنْفًا وَاحِدًا لَا يَجُوز بَيْع أَحَدهمَا بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا، وَمَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجُمْهُور أَنَّهُمَا صِنْفَانِ يَجُوز التَّفَاضُل بَيْنهمَا كَالْحِنْطَةِ مَعَ الْأَرُزّ، وَدَلِيلنَا مَا سَبَقَ عِنْد قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَإِذَا اِخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَجْنَاس فَبِيعُوا كَيْف شِئْتُمْ) مَعَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ فِي حَدِيث عُبَادَة بْن الصَّامِت - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا بَأْس بِبَيْعِ الْبُرّ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِير أَكْثَرهمَا يَدًا بِيَدٍ " وَأَمَّا حَدِيث مَعْمَر هَذَا فَلَا حُجَّة فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّح بِأَنَّهُمَا جِنْس وَاحِد، وَإِنَّمَا خَافَ مِنْ ذَلِكَ فَتَوَرَّعَ عَنْهُ اِحْتِيَاطًا.

وقال القرطبي: قوله (البُرُّ بالبُرِّ، والشعير بالشعير) دليل على أنهما نوعان مختلفان؛ كمخالفة التمر للبُرٍّ؛ وهو قول الشافعي، وأبي حنيفة، والثوري، وابن عُلّيَّة، وفقهاء أهل الحديث.

وذهب مالك، والأوزاعي، والليث، ومعظم علماء المدينة والشام: إلى أنهما صنف واحد. وهو مروي عن عمر، وسعيد، وغيرهما من السَّلف متمسكين، بتقاربهما في المنبت، والمحصد، والمقصود؛ لأن كل واحد منهما في معنى الآخر، والاختلاف الذي بينهما إنما هو من باب مخالفة جيِّد الشيء لرديئه. (المفهم).

وقال رحمه الله: قد تقدَّم ذكر الخلاف في عدَّ البُرِّ والشعير صنفًا واحدًا بما يغني عن إعادته، لكنا نبيِّن في هذا الحديث: أن حديث معمر لا حجَّة فيه لأصحابنا، وإن كانوا قد أطبقوا على الاحتجاج به. ووجه ذلك: أن غايتهم في التمسك به أن يحتجوا بمذهب معمر. وهو قول صحابي، وهو أعلم بالمقال، وأقعد بالحال.

قال: إن قول معمر هذا رأي منه، لا رواية، وما استدل به من قوله -صلى الله عليه وسلم- (الطَّعام بالطَّعام) لا حجَّة له فيه؛ لأنه إن حمل على عمومه لزم منه: ألا يباع التمر بالبُرِّ، ولا الشعير بالملح، إلا مثلاً بمثل. وذلك خلاف الإجماع، فظهر: أن المراد به: الجنس الواحد من الطَّعام. وقد بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- الأجناس المختلفة في حديث عبادة بن الصامت وغيره، وفصَّلها واحدًا واحدًا، ففصل التمر عن البر، والشعير عنه، ثم قال بعد ذلك (فإذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم) ثم الظاهر من فتيا معمر: إنما كانت منه تقيه وخوفاً. ألا ترى نصَّه، حيث قال: إني أخاف أن يُضَارع؟! والحجَّة في قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لا في قول غيره. (المفهم)

<<  <  ج: ص:  >  >>