وأقسم الله لرسوله صلى الله عليه وسلم ألا يكون المؤمنون مؤمنين حقاً حتى يرتضوه حكماً فيما بينهم، وأن يتلقوا حكمه بغاية الإذعان الذي لا تكلف فيه ولا تصنع، وإنما هو نابع عما انعقد عليه القلب من ولاء وتسليم، فقال عز وجل:{فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}[النساء:٦٥] . وقد أجمع العلماء على أن هذا التحاكم يكون بعده إلى سنته. فمن هذا المنطلق وبهذا الاعتبار نقرر أن السنة النبوية الصحيحة مع القرآن الكريم في مرتبة واحدة من حيث الاحتجاج بهما في الأحكام الشرعية، فإنها وحي مثله، فيجب القول بعدم تأخرها عنه في الاعتبار (١) .
وقد قام الأئمة بخدمة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم خير قيام، وأولوه الرعاية والعناية، وبذلوا أقصى ما في الوسع الإنساني احتياطاً لدينهم وشريعتهم أن يدخل فيها ما ليس منها، وكان من نتاج ذلك وضع قواعد مصطلح الحديث، وقواعد علم الجرح والتعديل؛ تلك القواعد التي كفلت لهم التمييز بين الصحيح وغيره، وهذه القواعد نجدها مبثوثة في كتب أصول الرواية وعلوم الحديث وتاريخ الرجال.
وكان من أهم موضوعات علم مصطلح الحديث: تقسيم الحديث من حيث طرق وصوله إلينا إلى قسمين رئيسين، هما: المتواتر والآحاد. وسنتكلم على هذين القسمين وأنواعهما، وحجية كل نوع. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
(١) انظر كتاب ((حجية السنة)) للشيخ عبد الغني عبد الخالق رحمه الله، فقد أكد هذا المعنى وأجاد في إثباته أيّما إجادة.