للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وثبت في صحيح مسلم أن غلام حاطب هذا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله والله ليدخلن حاطب النار, وكان حاطب يسيء إلى ممالكيه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كذبت, إنه قد شهد بدرا والحديبية". وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل النار واحد بايع تحت الشجرة" ١.

فهذا حاطب قد تجسس على رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة فتح مكة التي كان صلى الله عليه وسلم يكتمها عن عدوه, وكتمها عن أصحابه, وهذا من الذنوب الشديدة جدا, وكان يسيء إلى مماليكيه.

وفي الحديث المرفوع. " لن يدخل الجنة سيء الملكة" ٢.

ثم مع هذا لما شهد بدرا والحديبية غفر الله له ورضي عنه, فإن الحسنات يذهبن السيئات.

فكيف بالذين هم أفضل من حاطب وأعظم إيمانا وعلما وهجرة وجهارا, فلم يذنب أحد قريبا من ذنوبه؟!

ثم إن أمير المؤمنين عليا رضي الله عنه روى هذا الحديث في خلافته, ورواه عنه كاتبه عبيد الله بن أبي رافع, وأخبر فيه أنه هو الزبير ذهبا لطلب الكتاب من المرأة الظعينة, وأن النبي صلى الله عليه وسلم شهد لأهل بدر مما شهد, مع علم أمير المؤمنين بما جرى, ليكف القلوب والألسنة عن أن تتكلم فيهم إلا بالحسنى, فلم يأت أحد منهم بأشد مما جاء به حاطب, بل كانوا في غالب ما يأتون به مجتهدون.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران, وإذا اجتهد


١-وأخرجه أيضا الترمذي في المناقب باب ٥٧-٥٨ وغيرهما.
٢-أخرجه ابن ماجة في سننه في الأدب باب ١٠, والإمام أحمد بن حنبل في المسند ١/٤,٧-١٢.

<<  <   >  >>