إبطال دعوى أن يكون النبي صلي الله عليه وسلم قد استفاد القرآن من اليهود والنصارى زعم بعض المستشرقين كما ذكرنا سابقاً أن النبي صلي الله عليه وسلم استفاد القرآن أو أشياء منه من اليهود والنصارى، وهذا كلام يضحك من قائله الصبيان، ويسفه صاحبه كل ذي بصيرة وعرفان. ونبين بطلانه من وجوه:
أولاً: أن المستشرقين اقتفوا أثر المشركين، الذين نسبوا القرآن إلى أناس من النصارى، وقد رد الله على المشركين الذين ادعوا ذلك، وهو رد على كل من ادعى هذه الدعوى بعد، وذلك في قوله تعالى:{لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ}[النحل:١٠١-١٠٣] .
فمن الدليل الواضح على كذبهم في دعواهم أنهم عزوا القرآن إلى عاجز عن العبارة الفصيحة لعجمته، فهم كمن يعزو صنع لوحة فنية إلى مقطع اليدين، أو من يعزو قصيدة عصماء إلى أخرس أبكم.
ثانياً: أن النبي صلي الله عليه وسلم لا يمكن أن يكون أخذ القرآن من اليهود والنصارى، وذلك أنه عليه الصلاة والسلام لم يلق اليهود، ولم يحتك بهم احتكاكاً مباشراً إلا بالمدينة، فعاداه اليهود، فقابلهم النبي صلي الله عليه وسلم بعداء مثله. وأخرجهم لما نقضوا عهودهم معه، وقاتلهم في جميع المواطن حتى قضى عليهم، وذلك بعد أن كفرهم الله ولعنهم، وأنزل الله تعالى على نبيه فيهم آيات تتلى في ذلك، ومنها: قوله تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}[المائدة: ٨٢] .