للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الحنفية، وقال بعضهم: يجوز أن يكون عاميا فيحكم بالتقليد؛ لأن الغرض فصل الخصومات، فإذا أمكنه ذلك بالتقليد جاز كما يحكم بقول المقومين، ولنا قوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} ١، ولم يقل بالتقليد، وقال: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} ٢، وقال: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} ٣.

وروى بريدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "القضاة ثلاثة؛ اثنان في النار وواحد في الجنة: رجل علم الحق فقضى به فهو في الجنة، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار، ورجل جار في الحكم فهو في النار" ٤ رواه ابن ماجه.٥.

والعامي يقضي على جهل، ولأن الحكم آكد من الفتيا، لأنه فتيا وإلزام، والمفتي لا يجوز أن يكون مقلدا، فالحاكم أولى، انتهى.

وقال في "الإنصاف"٦: ويشترط في القاضي أن يكون مجتهدا، هذا المذهب المشهور، وعليه معظم الأصحاب.

قال ابن حزم: "يشترط كونه مجتهدا إجماعا"، وقال: "أجمعوا على أنه لا يحل لحاكم ولا لمفت تقليد رجل، فلا يحكم ولا يفتي إلا بقوله".

وقال في "الإفصاح": الإجماع انعقد على تقليد كل من المذاهب الأربعة، وأن الحق لا يخرج عنهم، واختار في الترغيب: ومجتهدا٧ في مذهب إمامه للضرورة.

واختار في "الإفصاح": والرعاية ومقلدا، (قلت) : وعليه العمل من مدة طويلة وإلا تعطلت أحكام الناس، وقيل في المقلد: يفتي ضرورة.


١ سورة المائدة آية: ٤٨.
٢ سورة النساء آية: ١٠٥.
٣ سورة النساء آية: ٥٩.
٤ أبو داود: الأقضية (٣٥٧٣) , وابن ماجه: الأحكام (٢٣١٥) .
٥ رواه أصحاب السنن الأربعة والحاكم، وهذا لفظ ابن ماجه.
٦ يوجد عدة كتب سميت (الإنصاف في مسائل الخلاف) ، أحدها: للقاضي أبي بكر بن العربي المالكي، المتوفى سنة ٥٤٣. وثانيها: لأبي سعد محمد بن يحيى النيسابوري الشافعي، المتوفى سنة ٥٤٨. وثالثها: للحافظ أبي الفرج بن الجوزي الحنبلي، المتوفى سنة ٥٩١. والظاهر أن هذا الأخير هو المراد هنا، فقوله: "معظم الأصحاب" يعني به الحنابلة.
٧ الظاهر أنه معطوف على محذوف منصوب.

<<  <   >  >>